الموتى الأحياء يقتحمون «الكبرياء والهوى» - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 10:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الموتى الأحياء يقتحمون «الكبرياء والهوى»

نشر فى : السبت 20 فبراير 2016 - 10:40 ص | آخر تحديث : السبت 20 فبراير 2016 - 10:40 ص

لم يجروء أحد، من قبل، على إدخال «الزومبيين» إلى عالم الروائية الرومانسية، البريطانية جين أوستن «١٧٧٥ ــ ١٨١٦».. لكن القصاص، السيناريست، سيث جراهام سميث فعلها، وبرغم أنه حافظ على أبطالها، وعلاقاتهم، وأجواء المجتمع المحافظ، فيما قبل العصر الفيكتوى، إلا أنه، فى مغامرة غير مسبوقة، أضاف عنصرا لا يخطر على بال: الموتى الأحياء!

«الكبرياء والهوى» خلال القرن الماضى، قدمتها السينما الأمريكية، والبريطانية، والهندية، وظهرت على المسرح الفرنسى، الإسبانى، وتحولت إلى مسلسلين تليفزيونيين، وأخيرا، ينبهر المخرج بورستيرس، بمعالجة سميث للرواية الأصلية، ويقرر تحقيقها، بعنوان الجديد «الكبرياء والهوى والزومبى».

فى عام ١٩٦٨، فتح المخرج الأمريكى، جورج ريميرو، الباب لفصيل جديد من كائنات الإرعاب، عنوا الفيلم «ليلة الموتى الأحياء»، وفيه يطالعنا «الزومبى»، المختلف تماما عن دراكيولا مصاص الدماء بأنيابه التى تقطر دما، ولا علاقة له بالوحش «فرانكشتين»، بقوته الخارقة، ولا يشبه «الرجل الذىب» أو غيره من نماذج يختلط فيها طباع البشر بدموية الحيوانات أو الحشرات.. مع توالى أفلام الموتى الأحياء أصبح لهم أشكال وسمات محددة: هيئات مثيرة للخوف والتقزر، حركاتهم خرقاء، مشيتهم مترنحة ملابسهم مهلهلة، أجزاء من أجسادهم متحللة، عيونهم ممسوحة، بشراتهم خضراء، طرية، شفاه متآكلة، تكشف عن أسنان قذرة.. غالبا، يسيرون فى مجموعات.

بعض أفلام سينما الرعب، تتجاوز إثارة المخاوف إلى تقديم رؤية تستحق التأمل والتفكير.. جورج ريميرو، بعد «ليلة الموتى الأحياء» بما يزيد عن أربعة عقود، يحقق «أرض الأموات» ٢٠٠٥، حيث يحاصر الموتى الأحياء، مدينة ظالمة، تشبه نيويورك، يسيطر عليها رجال أعمال أقرب لرجال العصابات، يديون شركات عابرة للقارات، يستعبدون الموتى الأحياء، الذين يقررون تصفية الحساب.

رواية «الكبرياء والهوى»، فى عالمها المخملى الهادىء، تخلو من الموتى الأحياء، فقط ثمة إشارة إلى وجود معسكر جيش على طرف المنطقة.. بناء على هذه المعلومة ينطلق كاتب الرواية الجديد، جراهام سميث، إلى افتراضية وجود خطر ما، أو حرب على وشك الإندلاع.

أحد مفاتيح الفيلم، نجده فى المشهد الافتتاحى، قبل ظهور العناوين، فمع حركة إنزال بضاعة من سفينة، نسمع صوت الراوى، من خارج الكادرات، ينبهنا، بلهجة لا تخلو من توجس، إلى أن ثمة أشياء أخرى تأتى إلى البلاد، من وراء البحار، غير الفاكهة والمواد الأخرى.

بعد العناوين، يدخل الفيلم عالم «جين أوستن»، تطالعنا بنات السيد بنيت الخمس، شابات صغيرات فى عمر الزهور، والدتهن، مثل كل الأمهات، تتشوق لزواج بناتها، ينبض قلبها بالأمل مع كل عريس متوقع.. تستقبل الضيوف، ترسل البنات للحفلات، لعل وعسى.. فى إحدى الأمسيات، يظهر النفور واضحا بين البنت الثانية، اليزابيث، بأداء البريطانى «ليلى جيمس»، والضيف الارستقراطى، دراسى، بأداء البريطانى أيضا «سام رايلى».. اليزابيث، كما فى الرواية، ذات شخصية قوية، عندها ما يكفى من الاعتداد بالذات، جميلة، ذكية، بيما دارسى، الثرى المتأنق، لا يخلو من غرور، يصيب إليزابيث فى كبريائها حين تسمع تعليقاته السلبية عنها.. تعامله بجفاء مشوب بالاستخفاف.. لكن سهم الهوى يصيبهما.

وسط أجواء البهجة فى احتفالية أنيقة، يأتى رجل يحمل زجاجة بداخلها «ذباب أزرق»، يقول إن هذا الذباب يتغذى على لحم الموتى.. يطلق الذباب، ومع صوت أزيزها، تحط واحدة على صدغ مشوه لرجل مريب منزعج، لأن الجميع أدركو أنه من الموتى الأحياء.. ما هى إلا لحظة واحدة حتي تندفع مجموعة من «الموتى الأحياء» داخل القصر، وسط ذعر الضيوف جميعا.. الأب، بينيت، يأمر بناته بـ«تشكيل قتال». فورا، تستل الآنسان سيوفا، يقفن فى دائرة ليدافعن عن بعضهن بعضا، يندفعن نحو مواجهة الموتى الأحياء. هكذا بطلات جين أوستن الرقيقات، الرومانسيات، يتحولن فى المعالجة الروائية لجرهام سميث ــ حققت مبيعات ضخمة ــ إلى لاعبات كاراتيه وملاكمة ومصارعة، يضعن الخناجر فى جواربهن اطويلة، فوق السراويل يطلقن بارود الغدارات والبنادق.. بل تنجح إليزابيث فى إحدى المعارك الدامية، من إنقاذ الوجيه الأمثل، دارسى، الذى كان على وشك التهام رأسه من الموتى الأحياء.

روايات جين أوستن، تعتبر من عيون الأدب البريطانى، لكن بعض النقاد أخذوا عليها عزلتها، وعزلة أبطالها عن ما يدور فى العالم، وفى إنجلترا نفسها، قال أحدهم لن تجد فى كتاباتها آية إشارة إلى إتساع مستعمرات بلادها، واحتلال دول أخرى، واسعباد شعوبها، كما أنها لم تلتفت إلى ذلك الثراء الذى نعمت بها بريطانيا التى تحولت إلى أمتين، أمة منعمة، وأمة فقيرة، عبر عنها، لاحقا، تشارلز ديكنز فى «أوليفر تويست» ١٨٣٧ و«ديفيد كوبرفيلد» ١٨٤٩، على سبيل المثال لا الحصر.

هل أراد جرهام سميث، فى معالجته الجديدة استكمال ما رآه، ناقصا عند جين أوستن ولمح إلى أن ثمة أشياء أخرى، تأتى من وراء البحار غير المنتجات الزراعية والمواد الخام.. أم أنه، سميث والمخرج، بورسيرس، يقصدان بـ«الموتى الأحياء» ذلك القطاع من البشر، الغامض، الضعيف، العنيف، القادم من يحث لا يعلمان؟

أيا كان الأمر، يحتمل الفيلم عدة تفسيرات لكن بسبب إبهامه وتكرار مواقفه، وإيغاله فى تشويه وجوه «الموتى الأحياء» لم يستطيع أن يحقق نجاحا، ماليا ونقديا.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات