الأحمر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 8:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأحمر

نشر فى : الأربعاء 20 أبريل 2011 - 9:47 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 أبريل 2011 - 9:47 ص

 ليس كبقية الألوان، فهو غير الأبيض الملائكى، البارد، الذى يجمع بين النقاء والسكينة، وربما الاستسلام أيضا. ولعل أسوأ ذكرياتنا تتمثل فى صورة بعض الجنود العرب، المنهكين، بملابس كاكية مهلهلة، يرفعون قطع القماش الأبيض، يتجهون بها نحو قوات أجنبية.. الأحمر، لا علاقة له باللون الأسود، الغامض، الوحشى، الذى ظل لفترات طويلة، يعلو سارية سفينة القراصنة.. الأحمر، على النقيض من الأصفر العليل، المريض، الممرور أحيانا.. فالأحمر، لون قوى، شديد الوضوح، يعلن عن نفسه بثقة وجلاء، ساخن، وربما ملتهب، يمتزج فيه الدم بالنار، يتوهج تحت أقدام النجم فى افتتاح وختام المهرجانات. يقتحم أعلام عشرات الدول معبرا عن تضحية شعوبها، وأحيانا، يسيطر على العلم تماما، مثل الصينى والسوفييتى.

أمد اللون الأحمر الفنانين بطاقة تعبيرية لا تنضب. يدعم الكثير من أفلام الرعب فيوحى بالغموض ويكثف الشعور بالإثارة، وهو المفضل فى مشاهد الكوابيس، صبغ به المخرج رومان بولانسكى فيلمه المأخوذ عن تراجيديا «ماكبث» كى يؤكد أن هذا العرش قائم على الدم. وتعمد صلاح أبوسيف فى «أنا حرة» أن يجعل بطلته «فاتن حمامة»، بعد تسببها فى طلاق زوجة والدها، أن تقف ضائعة، معذبة، ينتابها الشعور بالذنب، فوق سجادة حمراء، بلون النار.. فى هوليوود، اشترط أحد النجوم ضرورة توافر ثلاثة أشياء حمراء فى النجمة «الشفاه، الخدود، الأظافر»، وانتقلت تلك المواصفات إلى السينما المصرية، فظهرت، على أغلفة المجلات، صور ليلى مراد، سامية جمال، هند رستم، ليلى فوزى، بالشفاه والخدود والأظافر الحمراء، ولاحقا، انتشر الستان الأحمر، الناعم، الفاتن، كقمصان نوم للعرائس. وبعد دخول الألوان على الشاشة، أصبح مفضلا عند من يقمن بأدوار الغواية.

واقعيا، فى الحياة، يستخدم الأحمر للفت الانتباه، مثل لمبات السيارات الخلفية، واللمبات فوق عربات الإسعاف والمطافئ وشرطة النجدة، وإن كان بعضها استبدل باللون الأصفر، كى يظهر واضحا فى الضباب. أما فى إشارات المرور فإنه يأخذ معنى المنع التام والبات للمرور. وانتقل هذا المعنى إلى السياسة، فأصبح بعض الشخصيات والقضايا من «الخطوط الحمراء»، الاقتراب منها يعرض المقترب إلى بئس المصير. ولكن الأيام، والأحداث، أثبتت أن «الخطوط الحمراء» مجرد أوهام، خاصة حين تتعلق بالسياسة، فلسنوات كثيرة، بل لعقود متوالية، كان نقد أو حتى الاقتراب من الحكام، الملوك، ورؤساء الجمهوريات، من الخطوط الحمراء.. ومع تحرك الجماهير، انفضحت أكذوبة ذلك الخط الأحمر، وكان هذا اكتشافا عظيم الشأن، على العكس من الاكتشاف القاتم، الذى خلف قلقا وحيرة، فأكثر من وزير، عندنا، فتح صدره بثقة ليست فى محلها، معلنا أن مياه النيل، ومجراه، خط أحمر، يستحيل الاقتراب منه، لكن الإجراءات التى بدأت تتخذ، بعيدا عنا، أثبتت أن الكتكوت، مهما زأر، لن يصبح أسدا، خاصة مع جيران من السهل التفاهم معهم، بعيدا عن النظر لهم بالعين الحمراء، التى لن توجع إلا صاحبها.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات