لنحترم طفولة الطفـل! - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لنحترم طفولة الطفـل!

نشر فى : السبت 20 أغسطس 2011 - 9:54 ص | آخر تحديث : السبت 20 أغسطس 2011 - 9:54 ص
دخل الطفل إلى العيادة وخرج منها تماما كما جاء، لا وصفة دوائية ولا جلسات علاج أو تعديل سلوك ولا حتى نصائح طبية للأهل.. لا شىء على الإطلاق. الأم غاضبة والطفل غير معنى بالأمر أما الطبيبة فلا تدرى ما ينبغى عليها أن تفعله أمام المشكلة.
يتكرر الموقف كثيرا، عشرات الأمهات تصطحبن أطفالهن للعيادات النفسية يوميا، تشكون الشكوى ذاتها: عدم انتباه الطفل وعدم قدرته على المذاكرة وعدم تحصيله وكثرة حركته فى الفصل وقلة تركيزه، وهى أعراض توجه تفكير الطبيب نحو «اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه» الذى يمثل اضطرابا نفسيا مشهورا، لكنه بالفحص المتأنى للطفل قد يكتشف الطبيب أن تلك الشكوى لا تتعلق بالاضطراب النفسى على الإطلاق، يتضح له أن المشكلة تكمن فى المدرسة والبيت وليست فى الطفل، وأن تلك الأعراض التى تشكو منها الأم ما هى إلا رد فعل طبيعى وليس مرضيا.

يذهب الطفل إلى المدرسة ويجلس فى فصل مكتظ بالتلامذة ويستمع إلى منهج محشو بسخافات ويتعامل مع طرق تدريس مازالت بدائية لم يطلها تطور منذ عقود. الطفل بطبعه يحتاج لما يتجاوب مع حماسته وحركته ونشاطه ورغبته فى الاستكشاف خصوصا حين يكون معدل ذكائه مرتفعا، لا يمكن له أن يجلس لساعات ويستمع إلى معلم لا يملك أى ملكات ابتكارية ولا يعرف غير ما يحفظه من الكتب. لا يمكن له أن يعود إلى البيت لينخرط فى درس خصوصى، ثم فى أداء الواجب الدراسى الممل الذى لا يخاطب قدرته على التفكير وإنما على الحفظ والترديد، لذا فهو يتمرد ويرفض الخضوع، لا ينتبه لكلمات المعلم ولا يتحمس للمذاكرة ولا لترديد ما تم تلقينه له، يبحث عن شىء آخر يثير اهتمامه، يفقد التركيز ويسرح فى خياله الخصب أو يقفز هنا وهناك، ثم يتعرض بسبب تمرده إلى الضرب والسب والإهانة سواء من المعلم أو الأهل. فى النهاية يتم اعتباره مريضا لعدم قدرته على الانخراط فى نظامنا التعليمى العقيم، وتعتبر محاولاته للهرب بمثابة أعراض ينبغى أن يُعَالَج منها.
تأتى الأم بشكواها وتطلب من الطبيب أن يعيد تشكيل الطفل وأن يجعله يجلس أمامها لساعات دون حركة وأن يردد وراءها الكلمات دون فهم وأن يحفظ ما يقوله المعلم دون مناقشة، وأن يكف عن اللعب والتساؤل وعن اتباع فضوله واختراع الأشياء الغريبة. باختصار أن يكف الطفل عن كونه طفلا، وأن يكف عن كونه مشاكسا بفطرته ويستحيل إلى كائن مشوه. يحتار الطبيب وتغضب الأم ويزداد الطفل عنادا وتبقى المشكلة على ما هى عليه.

أذكر طفلة جميلة زارت العيادة منذ شهور وسألتها طبيبة زميلة عما تتعلمه فى المدرسة فصمتت لدقائق وحين ألححنا عليها أجابت بأن «من يقتل البرص ينال 70 حسنة لأن البرص نفخ فى النار وزادها اشتعالا كى تحرق سيدنا ابراهيم» سعدت الأم بالإجابة وأيدتها، أما الطفلة فقد بدت غير سعيدة حتى مع تشجيع الأم. أذكر أيضا طبيبة نفسية من الأصدقاء حكت لى كيف جلست تتابع برنامجا تلفزيونيا وكان يستضيف مجموعة شباب صغار من أصحاب الإعاقات الذهنية، وكيف أنها حمدت لمعدى البرنامج اهتمامهم بهذه الفئة ومضت تستمع، لكنها أصيبت بالذهول فى نهاية الحلقة ثم انفجرت تضحك، لأنها اكتشفت أن ضيوف البرنامج هم أوائل الثانوية العامة العادية وليسوا ــ كما ظنت ــ من أصحاب الاحتياجات الخاصة..

●●●

ترى ماذا يفعل نظام التعليم بنا وبأبنائنا؟ أخشى أن يصبح نصح الأمهات والآباء ــ ممن لا يملكون ترف اللجوء إلى المدارس الدولية ــ بعدم تعليم أطفالهم، حلا وحيدا للاحتفاظ بقدراتهم ومهاراتهم الفطرية.
بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات