«النبطشى».. ملك الضجيج - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«النبطشى».. ملك الضجيج

نشر فى : الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 8:30 ص

الرسالة الثمينة التى أرسلها سيد القصة القصيرة، أنطون تشيكوف، لأحد تلاميذه، تصلح للجميع، بمن فيهم نحن.. جاء فيها: احذف ثلثى القصة، واستبق الثلث الثالث، أو الفقرات الأخيرة فقط، عندئذ سيكون عملك مكثفا، مختزلا، قويا ومؤثرا.

صناع «النبطشى» ساروا على العكس تماما من نصيحة تشيكوف، تعمدوا إضافة مقاطع وتزيدات، ليست بلا ضرورة وحسب، بل تثقل كاهل الفيلم، وتجعله مترهلا، مترنحا، يحمل على ظهره كراكيب لا لزوم لها.

«سعد»، بطل الفيلم المطلق، الوحيد المرسوم على الأفيش، يؤدى دوره الممثل الموهوب، الطموح، محمود عبدالغنى، المتمتع بملامح مصرية، شعبية، توحى بأن صاحبها، بوجهه الأسمر، عاش حياته فى الحوارى والأزقة، وأن جسمه النحيل، ربما بسبب سوء التغذية، أو لممارسة الرياضة فى مركز شباب، وهو الأرجح، ذلك أنه يتسم بمرونة، تضمه إما إلى فرق ألعاب القوى، أو الفنون الشعبية. إلى جانب طاقته البدنية، لا يمكن إغفال قدراته التمثيلية، فهو، ينتقل، بنعومة، من انفعال لآخر، يجيد التعبير عن انفعالات مركبة، ينطق الكلمات بعينيه، قبل أن يقولها بصوته.. لكن العمل السينمائى ليس مجرد ممثل له شأن. فاصل حوارى طويل، يبدأ به الفيلم.. فى الصباح، الأم: هالة صدقى، بصعوبة، توقظ ابنيها: محمود عبدالمغنى، ورامز أمير، الكسول، الذى يعيش عالة على شقيقه، حارس الأمن نهارا، و«هييص» الأفراح ليلا. أو «النبطشى» الذى لا يتوقف عن الكلام، ويتولى التقاط النقود، تحية المتواجدين، التهليل للقادمين، مدح الجميع، تقديم الفنانين.. وهنا تأتى الطاقة، فالفيلم، طوال ثلثه الأول، يتوقف عن السرد، ويبتعد عن «الدراما» أو الأحداث، ليعرض علينا، بالتفصيل، عدة أغان، كاملة، بعضها مصحوبا بالرقص، لمغنية اسمها «يسرا»، وآخر اسمه «أحمد شيبة» ومحمود عبدالمغنى نفسه، بحنجرته، مع ذات الحشد البشرى الصاخب، الذى أصبح يهاجمنا، من فيلم لآخر، كما لو أنه نوع من الوباء، انتشر بذات الأعراض: الرجال يرقصون، بعضهم يحمل الشيشة أو زجاجة المشروب على رأسه، والبعض يأخذه الوجد بعقيرة المغنى، فيتمايل ويترنح.. إنها فقرات مضجرة.

محمود عبدالغنى، بدلا من أن يعبر عن «الهيصة»، يصبح جزءا منها.. يكفى أن ينفرد بميكروفون الفرح مرة، أو مرتين، لدقيقة، أو دقيقتين، لكن المخرج، إسماعيل فاروق، يترك لبطله الشاشة، صوتا وصورة، ليصول ويجول، ويسمعنا جعجعة، بلا طحن.

بعد طول تلكؤ، يسير السيناريو فى اتجاهين. أحدهما يتعلق بشقيق النبطشى، الذى يزداد إدمانه للمخدرات، ويتدهور به الحال، يسرق نقود الأسرة، يبيع شبكة شقيقته، مما يدفع «سعد» إلى مواجهة تاجر المخدرات، وعصابته، وهى فرصة تقديم مواجهات بدنية، فيها من اللكمات والركلات والجرى والمطاردات، الشىء الكثير، الذى من الممكن اختصاره.. لكن الكاتب، محمد سمير مبروك، صاحب «القشاش» و«عبده موته»، يمارس شغفه بالمطاردات والعنف، فيطلقه علينا، بعد أن يزيده المخرج دما ودموعا.. الدم، فى المعارك. والدموع، تسيل مدرارا، عقب موت الشقيق المدمن، إثر حقنة مخدرات، خاصة من والدته المكلومة، التى تحمل «النبطشى»، بلا منطق، مسئولية وفاة المدمن.

أما الخط الثانى، وهو الأهم والأجدى، فيتعلق بلعبة القنوات التليفزيونية، حيث أصبح «سعد»، النبطشى، مذيعا ناجحا، وهنا، يلمع الفيلم بطريقة تقديم بطلنا لبرنامجه، حيث يدخل بلاتوه التصوير، بخطوات إيقاعية، وحركة جثمانية أقرب للرقص الاستعراضى، والواضح أن محمود عبدالمغنى، يقدم هذه المشاهد، بمزاج معتدل تماما. سريعا، يصطدم المذيع المرموق، بسياسات القناة التى لا تلقى بالا لمشاكل ومتاعب العاديين من الناس.. وفى نوبة حماس، يندفع الرجل أمام كاميرات التلفاز، ثائرا، بليغا، ليلقى كلاما كبيرا، كثيرا، موجها حديثه للرئيس، مطالبا، بإلحاح، وثورية متورمة، بضرورة الالتفات إلى «الغلابة» من الناس.. ويطول خطابه، الأجوف الرنان، بدون أى صور، اللهم إلا صورته هو.. هذه نهاية فيلم لم يستوعب صناعه فضيلة الحذف والتكثيف والاختصار، التى نصحنا بها، جدنا الموهوب، العارف بأصول الفن: أنطون تشيكوف.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات