الراب - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 10:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الراب

نشر فى : السبت 21 يناير 2012 - 9:45 ص | آخر تحديث : السبت 21 يناير 2012 - 9:45 ص

فيما يبدو أن قطاعات واسعة من شباب الثورة وجدت فى «الراب» طاقة فنية يمكنها التعبير عن أفكارهم وعواطفهم، «الراب» أصلا، نمط من الغناء الغاضب، نشأ بين المحتجين السود فى أمريكا، إبان السبعينيات من القرن الماضى، مستوحيا بعض عناصر غناء القبائل الإفريقية، حيث الاعتماد على الإيقاعات والاستغناء عن معظم الآلات الموسيقية الغالية الثمن والعالية التكاليف، وعدم اشتراط صوت المغنى التطريبى، والاكتفاء بنبرات الحماسة وطول النفس وصدق وقوة الانفعال، على نحو يتيح للمؤدى الاسترسال المتدفق فيما يشبه الحديث المباشر أو سرد حكاية أو تقديم عرض حال. وفى شرايين «الراب» تسرى درجات متفاوتة من الحض على التغيير والتمرد، فضلا عن الهجاء العنيف للسادة، الذين فى أياديهم زمام الأمور، ولا تخلو أغنيات الراب من كلمات قد يراها المتأنقون والمهذبون حوشية، تخدش الحياء.

 

انتقل أسلوب «الراب» من أمريكا إلى أوروبا، وأصبح فنا محببا ألهب خيال الشباب، وبدا من المألوف فى التجمعات أن يصعد المؤدى إلى ما يشبه خشبة مسرح، حاملا معه آلة واحدة، صارخا، للفت الانتباه وإثارة الحماس. يطلق عبقريته بحديث أو حكاية، غالبا طويلة، تبتعد عن التطريب، وتكاد تخلو من الألحان الصارمة، ولا تلتزم الكلمات بقوانين الشعر وإن كانت تهتم من تجانس القافية.

 

ازدهر «الراب» فى بلاد المغرب، خاصة الجزائر، واختلطت الكلمات العربية بالفرنسية بالأمازيجية، وعندما ترددت فى مصر، غدت عربية تماما، وتخلصت من اللغات الأخرى.. وإذا كان أحمد آدم، فى فيلم «فيلم هندى» لمنير راضى 2001 قدم عدة أغنيات على طريقة «الراب»، فإن أحمد مكى حقق الكثير منها، وأدرك، مع آخرين، أن «الراب» لا يتطلب حلاوة الصوت طالما أنه يبتعد عن التطريب ويتحاشى المدات الطويلة، وبالتالى جاء صوته الخشن، بتنوعه الدرامى، المتفجر بالأحاسيس الحادة، موائما تماما لفن «الراب».. ومع اندلاع الثورة، حدث الغياب، أو الشحوب الكبير، لكثير من مغنين كانوا ملء الآذان. فقدوا شعبيتهم بسبب تخاذل مواقفهم، وبالضرورة، اختلفت الخريطة الغنائية، واختفت مساحات واسعة منها ليحل فيها «الراب» الذى زاد ازدهاره «السرى»، بسبب أجهزة الإعلام الرسمية الحائرة، المرتجفة، التى جبنت عن تقديم هذا النوع من الغناء المتمرد، الذى وجد أصحابه فى وسائل التواصل الاجتماعى أفقا واسعا للانتشار.

 

«الراب» فى بلادنا، أمسى فنا مصريا خالصا، يرتبط بالثورة، يتحرر من الألحان المركبة والفرق الموسيقية الكبيرة وقصائد الشعر الرصينة. اتجهت نحو البساطة المقترنة بالألفة، تخاطب المستمع مباشرة، تستنهض همته وتقوى عزيمته وتدعم رغبته فى استكمال الثورة، وتفيض بهجائياتنا للنظام السابق وبطانته، ولا يفوتها النظر فى عين الحاضر، فتنزع أقنعة سلطات المرحلة الانتقالية، وتحذر، بضمير يقظ، من التهام الثورة.. «الراب»، يشق طريقة بثقة، معبرا عن فن جديد، يسطع فى فجر قادم، لا محالة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات