الإرهاب الكامن فى البساتين - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأحد 10 أغسطس 2025 6:06 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

الإرهاب الكامن فى البساتين

نشر فى : الأربعاء 21 يناير 2015 - 7:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 21 يناير 2015 - 7:50 ص

مساء السبت الماضى ذهبت إلى منطقة البساتين لأداء واجب العزاء فى والد أحد الزملاء فى مسجد الإيمان القريب من قسم الشرطة.

لم أذهب إلى هذه المنطقة منذ سنوات، وأزعم أننى عشت فى مناطق عشوائية وشعبية كثيرة منذ كنت طالبا وحتى تركت فيصل والهرم قبل ست سنوات تقريبا، لكننى لم أشم رائحة الفقر والعشوائية كما شاهدتها فى البساتين قبل ايام.

غالبية الشوارع ضيقة ومكسرة وغير مستوية، «طرنشات» الصرف الصحى تتوسط الطريق إلى المسجد والزبالة تنتشر فى كل مكان، وان كان الأمر الأخير ليس قاصرا على البساتين، بل صار سمة مميزة لكل الشوارع حتى فى المناطق التى كانت موصوفة بالراقية.

المساكن مبنية من دون تخطيط ومتلاصقة بصورة لا تعطى أى مجال للحرية أو الخصوصية، ولغة التخاطب صارت أكثر بذاءة، وهى سمة أيضا فى معظم شوارعنا.

أحد المواطنين استوقفنى واستحلفنى بالله أن أكتب عن مشكلة أنابيب البوتاجاز، وكيف ان بعض المحظوظين يستولون على كميات كبيرة بالسعر المدعم ويعيدون بيعها بأسعار تصل إلى سبعين جنيها.

منظر الرجل «يصعب على الكافر»، وحكى لى كيف يدبر أحوال أسرته بدخل أقل من ألف جنيه فى الشهر، فقلت له: احمد ربنا أنك تعمل وبألف جنيه، لان كثيرين غيرك لا يعملون من الأساس، رد الرجل بأنه يحمده صباح مساء لكن على الحكومة ان تتحرك للقبض على هؤلاء اللصوص. قلت له عندك حق وتركته وانصرفت مفكرا فى حالة هذا الرجل وأمثاله فى كل مكان بمصر.

دخلت سرادق العزاء ثم اديت صلاة العشاء وعدت مرة اخرى واستمعت إلى «ربع»، استغرق حوالى 40 دقيقة ثم خرجت، وتمشيت فى شارع آخر، لأكتشف أن كل الشوارع متشابهة تقريبا، وان الورش موجودة فى كل البيوت تقريبا، علما بأن المنطقة محاطة بسياج من المقابر وورش تصنيع الرخام وما يمثله من أثر مدمر على البيئة، التى لا تنقصها أساسا عوامل التلوث. هذه التشكيلة الفريدة من البؤس هى أحد أخطر مسببات الإرهاب والفقر والجهل والمرض.

المؤكد أن التطرف خطر والإرهاب خطر، لكننى متأكد أن مثل هذه البيئة هى أحد أهم أسباب انتشار التطرف وزيادته.

فى مثل هذه البيئة فإن المناخ خصب تماما لانتشار كل شىء خطر، وكان الله فى عون القاطنين فى مثل هذه الشوارع وقدرتهم الفذة على الصمود والاستمرار أسوياء.

التمسك بصحيح الدين أحد أهم عوامل التماسك، لكن المتطرفين يستطيعون التسلل بسهولة إلى تجنيد الشباب فى هذه المناطق.

هذه الحال البائسة ليس قاصرة على البساتين بل ان العشوائيات صارت تزحف بسرعة لمناطق كنا نظن أنها راقية.

أى تصريحات اعلامية أو نوايا طيبة لن تكون قادرة على إخفاء هذا الواقع المشوه.

هذا الأمر حصيلة أكثر من أربعين سنة من الفساد والإهمال وانعدام الكفاءة، ولن يتغير بين يوم وليلة، ويحتاج أموالا ضخمة والأهم كوادر وطنية شريفة تصر على نظافة ضمائرها وسمعتها. لكن المطلوب أن تكون هناك خطة محددة لانتشال هذه المناطق من الفقر والبؤس والتشوه الذى تعيش فيه، إذا كنا فعلا نرغب فى ان ننتقل إلى مستقبل أفضل، لان استمرار هذه العشوائيات هو أكبر خدمة يمكن أن نقدمها للمتطرفين والإرهابيين.

لو ان هناك مجتمعا مدنيا حقيقيا فعليه أن ينزل إلى هذه المناطق، وتتولى كل جمعية شارعا معينا، وليت وسائل الإعلام تحرك كاميراتها إلى هذه المناطق، وليت رجال الأعمال يستثمرون فيها، حتى ولو برصف شارع او تنظيفه.

إلى كل هؤلاء الذين لم يزوروا البساتين: احذروا.. الإرهاب الحقيقى كامن هناك ويمكن ان ينفجر فى اى لحظة.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي