الأبارتهايد الصهيونى و«لاءات» ريما المدوية - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأبارتهايد الصهيونى و«لاءات» ريما المدوية

نشر فى : الثلاثاء 21 مارس 2017 - 11:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 21 مارس 2017 - 11:35 م
فى زمن الظلمات والانكسارات المدمرة، فى حالة الترهل والانحطاط والانحلال التى أصابت الأخلاق والقيم بمقتلٍ عند بعضهم، تتألق الإنسانة ريما خلف الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) فى إبراء ذمتها بتقديم شهادتها للتاريخ بعد أن أصاب التلوث من أصاب فى مجتمعاتنا العربية.

شهادة ريما زلزلت الكيان الصهيونى، وهزت الغطرسة الأمريكية، ووضعت النظام العربى بأكمله أمام أسئلة محرجة، ومطالبات شعبية إزاء القضية الفلسطينية، كما منحت من يشبهونها فى عالمنا العربى القوة وشيئا من الدافعية وقوة الصبر والإصرار على تكسير المعادلة وتغيير الواقع. عن أى معادلة نتحدث؟

بالطبع عن معادلة أن للظلم نهاية، وأن الأخلاق والقيم والمبادئ تعنى ما تعنيه من قول كلمة الحق فى حضرة زمن جائر ومستبد. لقد كسرت قاعدة أن «إسرائيل» قوية لا تقهر ولا تمس، أو أنها صديقة، وأننا العرب ضعفاء لا حول لنا ولا قوة. كانت شهادتها بمثابة صفعة قوية مدوية لسياسة التطبيع مع «إسرائيل».

***
قيل الكثير عن شجاعتها وتميزها واحترامها لذاتها، وإقدامها وانسجامها مع ضميرها وأخلاقها وإنصافها وقيمها الإنسانية الكبيرة، وتضحيتها بموقعها، نعم اليوم هناك بيننا من يبيعون ضمائرهم وتاريخهم ومواقفهم ومبادئهم لقاء فتات الموائد، لم لا؟ وهى التى تموضعت فى وقفة العز والكرامة مرتين متتاليتين، مرة حين قرّرت ألا تصمت عن قول الحق وتقدّمت بالتقرير الأممى المعد من «الإسكوا» التى تضم 18 بلدا عربيا. التقرير الذى حمل عنوان «الممارسات الإسرائيلية نحو الشعب الفلسطينى ونظام الفصل العنصرى» بما تضمنه فى صفحاته الـ74 وملحقيه، من اتهامات لـ«إسرائيل»، تم إثباتها بتحقيق علمى وأدلة لا ترقى إلى الشك بأنها «مذنبة بجريمة إقامة نظام فصل عنصرى يهدف إلى تسلط جماعة عرقية على أخرى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة».

أما وقفة العز والكرامة التالية التى تموضعت فيها، فكانت حين قالتها فاقعة مدوية: «لا» للرضوخ والتهديدات، «لا» للابتزاز، «لا» لسحب التقرير، مَن مِن الزعماء والمسئولين العرب يمكنه تعليمنا درسا كهذا؟ إنها ريما خلف التى قدّمت استقالتها رافعة الرأس شامخة بنموذج جدير بأن يُحتذى، كتب أحدهم: «كلما كبرت الشهادة كبر مفعولها، وخلف أقدمت على أكبر عملية استشهادية سياسية فى تاريخ الأمة عندما أشهرت سيف استقالتها، وفجّرت قنبلتها الإنسانية فى وجه الرئيس الأمريكى الجديد المتغطرس، والأمين العام الجديد للأمم المتحدة دون تردد أو خوف، بل وبالكثير من الكبرياء والكرامة وعزة النفس والانحياز إلى مقاومة الظلم الإسرائيلى الأمريكى».

كعادتها «إسرائيل» وحلفاؤها، مارست ضغوطا هائلة على الأمين العام الجديد كى تتنصّل الأمم المتحدة من التقرير، ومن ثم سحبه بحجة أنه لا يعكس مواقفه، وإنه أُعِدّ دون التشاور مع الأمانة العامة للمنظمة الدولية. لم لا تستنفر «إسرائيل» قواها وتغضب، وقد أشار التقرير القنبلة إلى أنها «قامت بتقسيم الشعب الفلسطينى إلى فئات أربع؛ فلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وفلسطينيين فى القدس الشرقية، وفلسطينيين فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وفلسطينيين يعيشون فى الخارج كلاجئين أو منفيين. فهم يتعرضون للقمع، وتخضع كل فئة منهم إلى ترتيبات قانونية مختلفة تحرم الفلسطينيين من حقوقهم، وإلى سياسات وممارسات تتسم بالتمييز وتجعل مقاومتهم لهذا الظلم شبه مستحيلة...» مضيفا: «أن لا حل فى الدولتين أو أى ترتيب آخر دون تفكيك نظام الفصل العنصرى الاسرائيلى، مقترحا القيام بخطوات محددة كإحالة القضية على محكمة الجنايات الدولية، ودعم حركة مقاطعة إسرائيل.. وأوصى بإعادة إحياء لجنة ومركز الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصرى اللذين توقف عملهما العام 1994 حين اعتقد العالم أنه تخلّص من الفصل العنصرى بسقوط نظام الأبارتهايد فى جنوب إفريقيا».

وعليه فليس بمستغرب إن أثار التقرير الأممى كل هذه الضجة، وانقسام الآراء والمواقف الدولية بشأنه بين مؤيد أو معارض، فهو بالنسبة للمراقبين والباحثين والمدافعين عن حقوق الإنسان، مرجعية بحثية استقصائية علمية معدة بحسب معايير نظام القانون الدولى فى تعريفه لجريمة الأبارتهايد، بل وموثق بالأدلة والشواهد لسياسات «إسرائيل» وممارساتها نحو الشعب الفلسطينى، وها هو المنتدى العربى الدولى من أجل العدالة لفلسطين يوجّه نداء لصحوة وتحرك عربى ــ إسلامى ــ دولى لتبنّى تقرير «الإسكوا»، انطلاقا من قناعته بأنه يعالج جذر القضية المتمثلة فى عنصرية الكيان الصهيونى، وما يشكّله من جريمة ضد الإنسانية، مطالبا الدول العربية والإسلامية التى تمثل جزءا من مجموعة الـ77 فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالمبادرة لإصدار قرار يتبنى خلاصات التقرير، ويطلب من محكمة العدل الدولية إصدار رأى استشارى، ومن محكمة الجنايات الدولية إطلاق تحقيق فى هذا المجال، كما يأمل بأن تناقشه القمة العربية المقبلة، وأن تتبناه جامعة الدول العربية فى سياق تحرك دبلوماسى سياسى لفضح نظام الفصل العنصرى الصهيونى.
***
ثمة قوة يستمدها الإنسان المؤمن بعدالة قضية شعبه، الإنسان الثابت على المبادئ والمواقف والقيم الإنسانية، وهى على النقيض من حالة الخواء والضعف عند المتخاذل التائه بين دهاليز الكذب والافتراء وتقديم شهادات الزور علنا بلا استحياء. ريما خلف قدّمت نموذجا ناصعا كالبلور فى ردّها على الضغوط والابتزاز؛ قالت: «قرار استقالتى ليس بصفتى كمسئولة دولية، وإنما كإنسانة سوية، تؤمن بالقيم الإنسانية السامية التى أسست عليها منظمة الأمم المتحدة، استقلت لأننى أرى من واجبى ألا أكتم شهادة حق عن جريمة ماثلة، وأصر على كل استنتاجات التقرير، إن الأدلة المقدمة فى التقرير قطعية، والواجب يفرض تسليط الضوء على الحقيقة، والحل الحقيقى يكمن فى تطبيق القانون الدولى ومبدأ عدم التمييز، وصون حق الشعوب فى تقرير مصيرها وتحقيق العدالة، معتبرة إنه ليس بالأمر البسيط أن تستنتج هيئة من هيئات الأمم المتحدة أن نظاما ما يمارس الفصل العنصرى «الأبارتهايد» لايزال قائما فى القرن الحادى والعشرين.
الخلاصة، أسوأ ما فى تداعيات الحدث، أنه كشف عن عجز هيئات الأمم المتحدة العليا وخضوعها للابتزاز والضغوط الإسرائيلية، ولا أدل على ذلك من إجبار «الإسكوا» على سحب تقريرها، فضلا عمّا لفتت إليه خلف من أن الأمين العام طلب قبل شهرين سحب تقريرين، ليس لمحتواهما، وإنما للضغوطات السياسية لدول مسئولة عن انتهاكات صارخة بحق شعوب المنطقة وحقوق الإنسان.
لاشك أنه مؤشر فاقع على تنامى دور «إسرائيل» التحكّمى بمفاصل قرارات الأمم المتحدة من جانب، ومن جانب آخر يكشف عن عجز المنظمة الدولية وخضوعها لإملاءات وابتزاز الولايات المتحدة و«إسرائيل»، وعسى أن تتعظ الأنظمة العربية والموالون لها لما ذكرته ريما خلف فى سياق موقفها الشجاع: «أؤمن أن التمييز ضد أى إنسان على أساس الدين أو اللون أو العرق أمر غير مقبول، ولا يمكن أن يكون مقبولا بفعل سلطان القوة، وأن قول الحق فى وجه جائر ليس حقا فحسب وإنما واجب». فتحية اعتزاز ومحبة لهذه الإنسانة النموذج فى زمن التردى والانحطاط.

الوسط ــ البحرين
منى عباس فضل

 

التعليقات