الَمثـــل - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 12:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الَمثـــل

نشر فى : الأحد 21 يونيو 2009 - 6:38 م | آخر تحديث : الأحد 21 يونيو 2009 - 6:38 م

 المثل فى اللغة هو النظير والشبيه كقولك: هذا الأمر هو مثل هذا، ومن هنا جاء المثل فى معناه اللغوى وهو: «قول فى أمر يشبه قولا آخر سابقا له لعلة التماثل بينهما»، ولهذا يتذكر الناس الأمثال عند تكرار الموقف الذى يكاد يكون مشابها ومماثلا للموقف الذى تم إطلاق المثل فيه للمرة الأولى.

وقد قال الفارابى فى تعريفه للمثل: «المثل هو ما تراضاه العامة والخاصة فى لفظه ومعناه، حتى ابتذلوه فيما بينهم، وقنعوا به فى السراء والضراء، ووصلوا به إلى المطالب القصية، وتواصوا به عند المكربة، وهو من أبلغ الحكمة لأن الناس لا يجتمعون على ناقص أو مقصر فى الجودة أو غير بالغ فى النفاسة».

وإذا كان الفارابى قد اهتم فى تعريفه للمثل بمضمونه ودوره الاجتماعى، فإن أبا اسحاق النظام قد اهتم فى تعريفه للمثل بالجانب الجمالى حيث يقول: «يجتمع فى المثل أربعة لا تجتمع فى غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكتابة، فهو نهاية البلاغة».

والحقيقة أن الجانب المضمونى فى المثل لا ينفصل مطلقا عن صياغته اللغوية التى تعتمد مبدئيا على قاعدة بلاغية رئيسية هى قاعدة الإيجاز حيث يقول الزمخشرى: «البلاغة الإيجاز وكلما أوجزت اللفظ أشبعت المعنى»،فكلما كانت كلمات المثل أقل عددا كان ذلك أفضل، وذلك لسببين: الأول يتعلق بحسن التأثير على المتلقى من خلال لغة مكثفة،حتى إننا كثيرا ما نجد أمثالا تتكون من كلمتين فقط مثل«الماء نماء» و«الحب أعمى» أما السبب الثانى فيتعلق بسهولة حفظه فى الذاكرة، لأنه كلما كان المثل أكثر إيجازا كان حفظه أسهل فى الذاكرة.

وكثيرا ما تضافرت فى عبارات الأمثال بعض العناصر البلاغية الأخرى بالإضافة إلى الإيجاز،ولعل أبرزها السجع، مثل القول فى الأسباب التى تدفع طفلا للبكاء «يا جُوع يا موجوع»أى أن الطفل عندما يبكى إما أن يكون هذا بسبب الجوع أو لأنه مريض.

والناظر فى الأمثال لا يعدم الالتفات إلى ثلاث مفارقات جوهرية تحتاج إلى تأمل وتفسير،المفارقة الأولى: تتمثل فى تعارض بعض الأمثال مع بعضها بعضا، فمثلا فى مقابل المثل القائل: «اصرف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب» هناك مثل يقول: «القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود»، وفى مقابل المثل القائل: «اسعى يا عبد وأنا أسعى معاك» هناك مثل يقول: «يرزق الهاجع والناجع والنايم على سباخ ودنه».
والعلة فى ذلك أن المثل يطلق فى موقف شخصى نتيجة لتجربة فردية، وهذه التجارب الفردية متعارضة بالضرورة، وبالتالى تنتج أمثالا متعارضة، ولا سلطان جماعى أخلاقى يستطيع إعادة تقييم الأمثال ويحذف منها ما يشاء ما دام ارتضت الجماعة تكرارها، وأنت لن تكرر المثل إلا إذا كنت تتبنى نفس الموقف الذى تم قوله فيه،حتى وإن كان هذا الاختيار مخالفا لصحيح المنطق.

أما المفارقة الثانية فهى أنه على الرغم من الطابع المحلى للمثل، فإنه يتصف فى كثير من الأحيان بالطابع العالمى فالأمثال ترتبط ارتباطا وثيقا بالبيئة والعادات والتقاليد المحلية التى صدرت عنها، حيث يقول كرم الأبنودى مثلا فى كتابه «الأمثال الشعبية الجنوبية ــ قنا نموذجا» إن المثل الجنوبى حاد حاد، ذلك لأن المنطقة نفسها طبيعة وطقسا ومعيشة ورزقا حادة حادة بل ضاربة فى الحدة، وقد كان البقاء فيها إلى عهد قريب للأقوى والأشد رزالة والأعز نفرا، ومن هنا جاء المثل «العيلة اللى ما فيهاش صايع حقها ضايع» باعتبار المثل هو حامل لواء النصح والإرشاد والتقويم والتنوير لأفراد الجماعة فى كيفية المحافظة على حقوقها فى هذا المجتمع العنيف.

وعلى الرغم من هذه الغلظة الصعيدية المصرية فإن هذا لا يمنع المصريين من استخدام المثل الفرنسى النابليونى الشهير الشديد الرقة «فتش عن المرأة».

والعلة فى ذلك أن المثل يكون محليا مرتبطا ببيئته الضيقة أشد الارتباط لحظة إطلاقه مصاحبا للتجربة الاجتماعية الفردية الخاصة، ولكن إذا ارتضت العامة فى كافة أرجاء الوطن أو القطر أو العالم الحكمة المستخلصة من تجربته وأخذت فى استخدامه وتداوله نظرا لتشابه الظروف والملابسات، فإنه يصبح مثلا عالميا، ولذلك فإن الكثير من الأمثال المرتبطة بعادات وتقاليد محلية لا تصلح لأن تدخل فى سياق التداول العالمى، كما أن الكثير من الأمثال التى تتعلق بالأحكام العامة والحقائق المطلقة صالحة للتداول بين أفراد الجماعة الإنسانية جميعا، ومنها مجموعة الأمثال العالمية التى تدعو لاغتنام الفرصة مثل: اطرق الحديد وهو ساخن، واصنع كوخك والشمس ساطعة،وغيرها.

أما المفارقة الثالثة والأخيرة فتتمثل فى أنه على الرغم من أن الأمثال تمثل خلاصة حكمة الشعوب، فإننا لا نعدم وجود بعض الأمثال التى تعمل على تزييف وعى الجماعة لأغراض خاصة.

حيث يقول خيرى شلبى يجب أن نعرف كيف نختبر الأصيل من الدخيل، لأن هناك أمثالا تتناقض مع الجوهر المصرى وتخدم أغراض الانتهازيين والسلطويين، لاسيما أن الجاليات الأجنبية التى تمصرت، والعصور المملوكية التى تأصلت، فرضت أمثالا كثيرة تفتئت على الحقيقة وتخدع العقول البسيطة وتروج للذل والخنوع واللاهوية من قبل «إن نزلت بلد بتعبد العجل حش وارمى له» وغير ذلك من أمثال ساهمت بقدر كبير فى تضليل الجماهير الشعبية وإفقادها الثقة فى كثير من القناعات المبدئية.

ويرى خيرى شلبى أن سبب التقصير فى تنقية هذه الأمثال يتمثل فى استعلاء النظام الجامعى على الثقافة الشعبية، وإن فتحت لها الجامعة بابا مردودا على استحياء فى السنوات الأخيرة، لعلنا نستطيع النفاذ منه لمراجعة تراثنا من الأمثال الشعبية مراجعة تحفظ صورة الشعب المصرى من التشويه.

التعليقات