الانتخابات الأمريكية: غامضة.. جسورة.. قاسية - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 3:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانتخابات الأمريكية: غامضة.. جسورة.. قاسية

نشر فى : الجمعة 21 أغسطس 2015 - 9:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 أغسطس 2015 - 9:35 ص

يعتقد الكثيرون أنه سابق لأوانه الكتابة عن الانتخابات الأمريكية، حيث إن الأمر مازال مبكرا على إجرائها. تقام المرحلة الأولى، وهى التصويت على مستوى الشعب، فى 8 نوفمبر 2016، تليها المرحلة الثانية والأهم فى النصف الأول من ديسمبر على مستوى هيئة الناخبين. غير أن حملة الانتخابات بدأت، وبدأت معها المهاترات بين المرشحين. وحيث إن الموضوعات الرئيسية لم تنضج بعد، فإننا سوف نسعى لأن نوضح للقارئ فى هذا المقال آليات العملية الانتخابية، وهى لا شك عملية معقدة وفريدة.

•••

يستند الأمريكيون فى أمور حياتهم اليومية إلى الدستور الأمريكى الذى تم صياغته منذ أكثر من قرنين وفى سبع مواد لا غير. وتنص المادة الثانية من الدستور الصادر فى عام 1789 على أن يتم انتخاب الرئيس من قبل مجموعة من الناخبين، الأمر الذى دفع الكثيرين إلى توجيه انتقادات للانتخابات الأمريكية، باعتبارها غير ديمقراطية ولا تتم بالاقتراع المباشر للشعب.

ويتم انتخاب الرئيس من قبل هيئة الناخبين التى يصل عددها إلى 538 شخصا من الشخصيات الأمريكية المرموقة (عدد السكان فى الولايات المتحدة يفوق ــ ثلاثمائة واحد وعشرين مليون نسمة، بما يعنى أن شخصا ونصف الشخص تقريبا ينوب عن كل مليون شخص فى الانتخابات). وتنفض هيئة الناخبين بعد قيامها بانتخاب الرئيس. ونص الدستور على أن تقوم السلطة التشريعية فى كل ولاية بتحديد كيفية اختيار ناخبيها. وعليه، تتباين طرق اختيار الناخبين من ولاية إلى أخرى، وفى البعض منها يتم ذلك بالاقتراع المباشر.

وجاء تحديد طريقة انتخاب الرئيس من هيئة الناخبين كحل توفيقى لخيارين متناقضين، أولهما، الاقتراع المباشر، وثانيهما، قيام الكونجرس بانتخاب الرئيس. غير أن غالبية الآباء المؤسسين ارتأوا أنه لا يمكن الاستئناس برأى الشعب فى اتخاذ قرار مصيرى بشأن انتخاب رئيس الولايات المتحدة. وكان الهدف الكامن فى نفوس هؤلاء هو استبعاد العبيد من العملية الانتخابية برمتها وتغليب سيادة الجنس الأبيض.

ولم يحظ السود بكامل الأهلية للتصويت إلا بعد توقيع الرئيس جونسون على قانون الحقوق المدنية عام 1964. فحتى بعد أن نالوا حق التصويت فى أعقاب الحرب الأهلية وبموجب التعديل الـ15 على الدستور، لم يسمح للسود بممارسة حقهم فى ضوء التحايل على القوانين وانفراد الولايات بوضع شروط متعسفة للانتخاب مثل فرض ضريبة انتخابية واشتراط مستوى معين للتعليم مما كان يحول دون تمكين السود من الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات.

أما بالنسبة لفكرة قيام الكونجرس الأمريكى بانتخاب الرئيس، فهى سرعان ما استبعدت لانتهاكها مبدأ الفصل بين القوى التنفيذية والتشريعية والقضائية، وانتهاكها الضوابط والتوازنات التى أرساها الآباء المؤسسون فى الدستور وكانوا شديدو الفخر بها. ولجأوا فى النهاية، وبكل موضوعية وتعقل، إلى حل توافقى يتمثل فى هيئة الناخبين، على نحو ما أشرت.

•••

وكان الاتفاق على عدد الناخبين محل مفاوضات مطولة بين الولايات. فكان يتعين التوفيق بين كبريات الولايات وصغارها والتى لم يزد عددها فى ذلك الحين عن ثلاث عشرة ولاية. وجادلت الولايات الكبرى بأن يمتثل عدد الناخبين بنسبة التعداد السكانى لكل ولاية، فى حين تمسكت الولايات الصغرى بضرورة مراعاة التوازن حتى لا يقتصر اختيار الرئيس على الولايات المكتظة بالسكان. وتم التوصل إلى حل وسط وهو خليط بين مبدأ التناسب ومبدأ المساواة. وأصبح لكل ولاية عدد من الناخبين يساوى ممثليها فى مجلس النواب (مبدأ التناسب)، بالإضافة إلى اثنين وهو عدد كل ولاية فى مجلس الشيوخ (مبدأ المساواة). ومن ثم يصل عدد الناخبين إلى 538 مقابل لـ435 عضوا من مجلس النواب، ومائة عضو لمجلس الشيوخ، بالإضافة إلى ثلاثة ناخبين إضافيين لواشنطن العاصمة.

وتواصل عملية الانتخابات تعقيداتها، فإن تصويت هيئة الناخبين يجب التصويت على مستوى الشعب الأمريكى. وكم من رئيس احتفل بفوزه فى أعقاب انتخابات المرحلة الأولى، وما لبث أن خاب ظنه عندما رأى نفسه يخسر أصوات هيئة الناخبين، ومن ثم يخسر الرئاسة برمتها. وآخر مثال على هذا التناقض الحى فى الانتخابات الأمريكية هو ما آلت إليه الانتخابات بين بوش وآل جور عام 2000، حيث حصل الأخير على نصف مليون صوت أكثر من جورج بوش الابن، ولكنه خسر الانتخابات، لأن بوش حصل على أصوات أكثر للناخبين. ويحتاج المرشح إلى 270 صوتا من أصوات الناخبين للفوز فى الانتخابات. وهنا نصل إلى قمة التعقيد. فإن الأمر متروك لكل ولاية لاختيار نظام التصويت بها. ويتم التصويت فى الولايات، فيما عدا ولايتى ماين ونبراسكا، وفقا لقاعدة الفائز يحصل على جميع أصوات الولاية. فإذا كان لإحدى الولايات مثلا خمسون ناخبا، يكفى للمرشح أن يحصل على تأييد ستة وعشرين صوتا حتى يفوز بكل أصوات الولاية أى الخمسين صوتا، بموجب قاعدة الفائز يحصل على الكل. وهذه هى سخرية الديمقراطية فى انتخاب الرئيس الأمريكى. وجميع هذه القواعد ثابتة ومن الصعب بل ومن الاستحالة تغييرها، حيث يتطلب ذلك ثلثى الأصوات فى الكونجرس.

وارتأيت الخوض مع القارئ فى جميع هذه التعقيدات، حتى يشهد بنفسه أن عملية انتخاب الرئيس الأمريكى هى شبيهة بمسابقات ملكات الجمال، يعرض فيها كل مرشح مفاتنه الظاهرية وقدراته الفائقة على تعبئة الموارد المالية، وهى بذلك تبعد عن أبسط مبادئ الديمقراطية والموضوعية.

•••

وحتى أخيرا كانت جميع الصفقات تتم فى الغرف الخلفية للحزب ووراء الكواليس، إلى أن طالب الشعب بمزيد من الشفافية والمشاركة فى اختيار الرئيس. وبدأت الولايات تتسابق فى إقامة ما يعرف بالانتخابات التمهيدية الـprimaries والتجمعات الحزبية المحدودة الـcaucuses لإشراك أكبر لدوائر الشعب فى الانتخابات، وإن كان ذلك على الأقل ظاهريا. فمازال التلميع يتم على مستوى النخبة والصفوة الحزبية والكلمة العليا لأصحاب المال والجاه فى الولايات المتحدة الذين يعملون على تصنيف وتشكيل المرشح لخدمة أغراضهم فيما بعد. ومن ثم فإن الرئيس تكون ولايته للنخبة والمؤسسات العملاقة التى تقوم بتمويل حملته، وبشكل أقل للشعب الأمريكى واحتياجاته الأساسية.

واكتسبت الانتخابات التمهيدية مزيدا من الأهمية لما تلقيه من ضوء على المرشحين، وبما يعمل على إطالة موسم الحملات الانتخابية وبدء المرشح فى المزايدة فى عرض مفاتنه قرابة عام ونصف العام قبل الانتخابات. فهيلارى كلينتون تقدمت بترشيحها فى أبريل هذا العام، وبدأت فى جمع التبرعات لحملتها. وتصل الانتخابات التمهيدية ذروتها فى الفترة ما بين يناير ويونيو قبل الانتخابات العامة فى نوفمبر. ويلى ذلك إعلان الحزب لمرشحه فى مؤتمره الوطنى. وينعقد المؤتمر الوطنى للحزب الجمهورى من 18ــ21 يوليو بولاية أوهايو، والمؤتمر الوطنى الديمقراطى من 25ــ28 يوليو فى بنسلفانيا. وتبدأ بعد ذلك المرحلة الأخيرة للانتخابات. وتعد المناظرات الرئاسية بين المرشحين، التى عادة ما تتم فى أكتوبر اقترابا من موعد الانتخابات العامة، ظاهرة حديثة نسبيا، بدأت مع تأسيس «لجنة المناظرات الرئاسية» فى عام 1987.

ولا تقتصر الانتخابات على مرشحى الحزبين الديمقراطى والجمهورى. فهى لا تخلو من مرشحين لأحزاب ثالثة أو مرشحين مستقلين. فهناك على سبيل المثال، حزب الإصلاح الذى خاض مرشحه روس بيرو انتخابات عام 1996 وحصل على 8% من أصوات الشعب، وحزب الخضر الذى خاض مرشحه رالف نادر الانتخابات فى عام 2000، وساهم دخوله فى خسارة المرشح الديمقراطى. وللمستقلين والأحزاب الصغرى برامجهم الخاصة بهم، وهدفهم إثبات أن الحزبين الكبيرين لا يمثلان وحدهما الشعب الأمريكى. غير أن احتمالات نجاح هؤلاء تكاد تكون معدومة لصعوبة تعبئة الموارد المالية اللازمة. وتكلف الانتخابات ملايين الدولارات (تكلفت الانتخابات الأخيرة بليونى دولار).

•••

وأخيرا، يبدو أن رجل الأعمال دونالد ترامب – وإن كان اليوم من بين مرشحى الحزب الجمهورى – فقد أعلن أنه لن يتردد فى خوض الانتخابات كمستقل، إن لم يحظ بترشيح حزبه. ويبدو أن دونالد ترامب له غرض فى نفسه، وهو فضح السياسيين وإظهار الفساد الذى يعم النظام الانتخابى والسياسى الأمريكى. وأعلن ترامب بالفعل عن قدرته على شراء السياسيين من أى من الحزبين الجمهورى أو الديمقراطى، ولم يستثن هيلارى كلينتون أو من كان معه على منصة الحزب الجمهورى فى المناظرة الأولى، معلنا على الملأ أن جميعهم يقدمون له مقابل ما يدفعه لهم من مبالغ نقدية سخية وكريمة. إننا نترقب انتخابات ساخنة وموضوعات خلافية شيقة.

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات