الديمقراطية.. مشكلة أم حل؟ - سمير كرم - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 4:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الديمقراطية.. مشكلة أم حل؟

نشر فى : الأربعاء 22 يناير 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 يناير 2014 - 8:00 ص

كثر استخدامنا لكلمة ديمقراطية فى الآونة الاخيرة ربما بصورة لم يسبق لها مثيل. الكل يتحدث عن الديمقراطية. الجميع، الصغار والكبار، السياسيون وغير السياسيين، المشتغلون بأمور الحكم والمواطنون العاديون، الإعلاميون وغيرهم، حتى لقد بدا أن الديمقراطية هى الشغل الشاغل للكل وليس أمور مستوى المعيشة فى وطن يشكو طوال أكثر من نصف قرن من الفروق الطبقية وضيق ذات اليد بالنسبة للغالبية.

ليس هذا من قبيل النقد لهذا الاستخدام المفرط لتعبير الديمقراطية. انه مجرد لفت نظر إلى اننا اصبحنا أكثر اهتماما بمشكلة الديمقراطية فى حياتنا أكثر من اهتمامنا بمشكلة الحرية. لقد حل تعبير الديمقراطية ــ ربما دون ان ندرى ــ محل تعبير الحرية. ربما حدث ذلك لإيماننا باننا نتمتع بالحرية منذ أن نلنا استقلالنا السياسى.

•••

إن الديمقراطية ليست مشكلتنا نحن المصريين فحسب، إنما هى مشكلة كافة المجتمعات، بما فى ذلك المجتمعات التى نعتبرها بل نصفها بأنها ديمقراطية، مثل المجتمعات الاوروبية والمجتمع الامريكى. هذه أيضا تتحدث عن الديمقراطية باستمرار وكأنها مشكلتها الاولى، أو حتى كأنها المطلب الغائب، وربما حتى باعتبارها المطلب الذى يغيب دائما إلا فى صورة مزيفة. لن تجد مؤلفا أمريكيا أو أوروبيا يتحدث عن الديمقراطية باعتبارها جانبا مهما من الواقع الاوروبى، إنما ستجد مؤلفين كثيرين يتحدثون عن الديمقراطية الأمريكية كوهم وليس كواقع. اليسار الاوروبى لا يكف عن الحديث عن الديمقراطية باعتبارها هدفا اسمى لا يبدو تحقيقه امرا سهلا. بل إن أحدا لا يتحدث عن الديمقراطية باعتبارها حالة واقعة فى مجتمعات أخرى ولابد من الاخذ بها كنموذج.

مع ذلك يمكن الاصرار على حقيقة اننا ــ نحن المصريين ــ تحدثنا عن الديمقراطية فى ظروفنا الجديدة وكأنها مسألة المسائل أو مشكلة المشكلات، فصار استخدامنا لهذه الكلمة أو هذا التعبير السياسى يتجاوز استخدامنا لأى كلمة أو تعبير سياسى آخر فى أى سياق كان. اصبحنا نستخدم كلمة الديمقراطية كأنها كلمة بسيطة مفهومة لا خلاف على معناها بين الأمى والمثقف، أو بين الطالب والأستاذ. يستخدمها رئيس الوزراء فى بياناته المعدة وفى كلماته المرتجلة بقدر ما يستخدمها الوزير والخفير ورجل الاعمال والعامل.

مع ذلك فإن الكلمة ــ الديمقراطية ــ واحدة من أكثر الكلمات صعوبة. ابتداء من حقيقة كونها تعبيرا اجنبيا من أصل يونانى، وانتهاء بحقيقة ان استخدامها فى أى من بلدان العالم يختلف فى حدوده ومعناه عن استخدامها فى اى بلد آخر. وما تابعناه من مظاهرات الجماهير اليونانية مؤخرا يدل على ان الشعب الذى استعار العالم من لغته هذه الكلمة لا يزال يختلف على معناها بين من هو من الطبقة العاملة ومن هو من الحكام أو رجال الاعمال. مع ذلك ــ او بسبب ذلك ــ فإن استخدامنا لكلمة الديمقراطية تجاوز فى الناحية الكمية كل الحدود وحتى كل التصورات. ولنلاحظ اننا جميعا ــ فى ظل ازمتنا الراهنة ــ نستخدم هذه الكلمة بمعان مختلفة انما غير معلنة. ومن المنتظر ان نستمر فى استخدامها بكثرة، بمعانيها المفهومة وغير المفهومة ونصف المفهومة، حتى بعد أن تكون مشكلتنا الراهنة قد خفت او تراجعت او حلت محلها مشكلة أخرى.

•••

اننا غالبا ما ننسى أن للديمقراطية معانى عديدة وأن الديمقراطية تكون على مراحل متعددة. فلا هى تحمل معنى واحدا يمكن الاتفاق عليه، ولا هى تتألف من مرحلة واحدة فى أى فترة تاريخية كانت.

من المؤكد ان مشكلة تعريف الديمقراطية ليست مشكلتنا الملحة. ليست هى المشكلة التى اذا حلت ارتحنا وشعرنا بالرضى، إنما المشكلة التى نعانى منها تتعلق اكثر ما تتعلق بمسألة التناقض بين تقديرنا وتقييمنا لمصر كبلد وقدرتنا على ان نكون قادرين على الصعود بانتاجنا إلى مستوى يرفع معيشتنا بصرف النظر عن مكانتنا الطبقية، والى مستوى يرفع قيمنا الوطنية والقومية إلى حدود تتساوى مع المكانة التى نضع فيها مصر فى التاريخ وفى العالم. وهى مكانة فائقة نكاد ان نعرفها جميعا ابتداء من أطفال المدارس إلى اساتذة الجامعات.

•••

اننا نعرف يقينا ان مصر فى المرحلة الحالية تمر بأزمة وطنية وقومية، ولكننا ندرك ان قدرتنا على تخطى هذه الأزمة بوجهيها أو بعديها لا يمكن ان تتعلق فحسب برؤيتنا وثقافتنا التى يبدو انها عاشت طوال القرون بل آلاف السنين التى عاشتها مصر منذ بداية تاريخها، انما تتعلق ايضا بقدرتنا على تحقيق هذه المكانة الرفيعة التى نضع فيها مصر فى ثقافتنا وتاريخنا. اننا لا نستطيع ان نمضى فى ترديد الصور والمعانى التى يتكون منها محور تقديرنا لمصر ولمكانة مصر التاريخية الرفيعة التى تتفوق على المكانة التاريخية لكل البلدان الاخرى مكتفين بهذه المعانى المجردة أو التاريخية. نحن مطالبون بأن نبذل الجهد اللازم للصعود بمصر إلى هذا المستوى التاريخى. ونحن مطالبون أيضا بأن نعى حقيقة ان هذه المكانة لن تتحقق كاملة خلال فترة رئاسة محددة أو فترتين. بل انها لن تتحقق كاملة خلال فترة تاريخية محددة أو محدودة. قد لا تكفى فترة خمسين عاما مثلا لتحقيق هذه الغاية. ربما نحتاج إلى مائة سنة أو أكثر.

المهم ان نبدأ، والبداية فى الديمقراطية. فهى الحل وليست المشكلة.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات