رجل من زماننا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 6:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رجل من زماننا

نشر فى : الأربعاء 22 فبراير 2012 - 9:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 فبراير 2012 - 9:30 ص

تمنيت أن أكتب عن رجل من البنائين للنفوس البشرية، يتصرف بنزاهة، وبقدر كبير من الشهامة والنبل. سلوكه وكلامه ترجمة دقيقة لاسمه «أمين صادق». رحل عن دنيانا منذ عقدين أو يزيد، تميز بطول قامته وقوة بنيانه وسمار بشرته، يوحى لك أنه من مصارعى الرومان، لا يخشى الأقوياء، من ذوى المراكز العالية، وفى ذات الوقت، لا ينازل من هم أقل منه نفوذا. شغل عدة مناصب فى وزارة الشباب، آخرها، مدير مديرية الشباب والرياضة بالقاهرة.. اصطدم مع الوزير، عبدالحميد حسن، والمحافظ الذى لا أتذكر اسمه، لأسباب موضوعية، تتعلق بأسلوب العمل فى مراكز الشباب «الساحات الشعبية» سابقا، والتى كانت الأنشطة فيها قاصرة على الرياضة، مثل الملاكمة ورفع الأثقال والمصارعة. لكن أمين صادق، منذ الخمسينيات، حارب من أجل دخول فنون المسرح إلى تلك التجمعات.. فى البداية، قوبلت دعوته بالسخرية، مما زاد من إصرار الرجل الذى رأى، ببساطة، أن الاهتمام بالعقول، والمشاعر، والثقافة، لا يقل أهمية عن الاهتمام بالأبدان. وشيئا فشيئا، نجح أمين صادق فى مسعاه.


تطور النشاط المسرحى، وتنوعت فروعه، من غناء جماعى وفردى، إلى فنون شعبية، وفى المقدمة، المسرحيات، وبدا من المهم تنظيم مسابقات، بين المراكز، ثم بين المديريات، وأصبح بناء ما يشبه خشبة المسرح، ضرورة فى كل مركز شباب.. تكونت فرق، وأفرخت أسماء ذات شأن، مثل نور الشريف ابن مركز شباب الجزيرة، أحمد بدير نجم مركز شباب عرب الحصن، علاء مرسى، خريج مركز شباب الحبانية، شأنه فى هذا شأن محمد سعد، الذى طالعنا فى بداية «اللمبى» وهو لا يحمل معه بطاقات هوية سوى كونه عضوا فى مركز شباب.. بالإضاقة للمغنى محمد فؤاد وآخرين.. وخلال الستينيات، ومنتصف السبعينيات، وصلت فرق مراكز الشباب إلى مستوى جيد، وقدمت فيما قدمت «القاعدة والاستثناء» لبرتولد بريخت، و«على جناح التبريزى وتابعه قفة» لألفريد فرج، فضلا عن نصوص لممدوح عدوان وسعد الله ونوس».. وتابع أمين صادق هذه العروض، منتشيا، سواء كانت متميزة أو رديئة، لأن النجاح، بالنسبة له، يتجسد فى الممارسة، بصرف النظر ــ مؤقتا ــ عن المستوى.

 

مع الثمانينيات، أخذت العواصف تهب، ليس على النشاط المسرحى وحسب، بل على مراكز الشباب ذاتها، فأسوة بما تم فى الأندية الكبيرة، بشأن هدم أسوارها والتهام أجزاء من أرضها لإقامة محال تجارية، أخذت مراكز الشباب، بنشاط محموم، تهدم الأسوار من أجل إقامة الدكاكين، مع فارق واحد، فبينما تخصصت محال الأندية الراقية فى بيع الأزياء الفاخرة والذهب والأحذية، عملت دكاكين المراكز فى مجالات عصير القصب وسمكرة السيارات.

 

بمرور السنوات، بدت إيجارات المحال والدكاكين قليلة، وبينما استطاعت النوادى، بطرق شتى، تجاوز مشكلتها الاقتصادية، فإن مراكز الشباب لم تجد مخرجا لتعثرها، ماليا، إلا فى تأجير مسارحها، كقاعات أفراح.. وسريعا، بدأ اضطهاد النشاط المسرحى، وطرد الفرق التى لم يعد لها مكانا.. لا للبروفات ولا للعروض.. رحم الله أمين صادق.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات