«يحيا قيصر».. ضد هوليوود الخمسينيات - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 10:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«يحيا قيصر».. ضد هوليوود الخمسينيات

نشر فى : الإثنين 22 فبراير 2016 - 8:45 م | آخر تحديث : الإثنين 22 فبراير 2016 - 8:45 م

جورج كلونى، يحظى بسحر النجوم، ينتمى لسلالة فيكتور ماتيور، كلارك جيبل.. وجه جميل، متسق الملامح، نظرات رقيقة، مترعة بالحنو، جسم معتدل القوام، يخلو من الترهلات، يغدو نموذجا للإعجاب، ينفذ إلى أفئدة قطاعات واسعة من الجمهور.

بعيدا عن النجومية، ثمة فنانون كبار، على غرار أورسون ويلز، لورانس أوليفيه، جاك نيكلسون يلفتون الأنظار بقدراتهم التعبيرية الرفيعة، اعتمادا على مواهب أرفع شأنا مما هى عند النجوم.. هذا لا يعنى افتقار النجوم للمهارات، لكن يرصد ما قد يحدث كثيرا، حين تعوض النجومية تواضع قدرات ذوى الهالات اللامعة.

الأخوان كوين، المخرجان، المرموقان بأفلامهما الكوميدية، اختارا فى أحدث أعمالهما، عالم هوليوود فى الخمسينيات، بأجواء استديوهاتها، مديريها، نجومها ونجماتها، أنماط أفلامها، فضلا عن رصد أصداء المكارثية، والحرب الباردة.

جورج كلونى، يؤدى دور نجم سينمائى اسمه باردويت لوك، يقوم ببطولة فيلم ملحمى، دينى، بعنوان «يحيا قيصر».. الفيلم من نوعية الإنتاج الضخم: المجاميع الكبيرة، المعارك الحربية، القصور الفاخرة، استعراضات الجيوش الرومانية، بسيوف جنودها، وصنادلهم، فى مقدمتهم، قيصر، باردويت لوك، النجم، الذى ينظر ويتلفت ويتحرك، على طريقة فيكتور ماتير فى «كوفاديس».

لماست الأخوان كوين تتجليان فى التفاصيل.. أشراف روما، مجرد كومبارس بائس، حاقد على ما يتمتع به النجم من رعاية. اثنان من الكومبارس، بالملابس الرومانية، يضعان المخدر فى كأس النجم. يذهب، مترنحا، إلى دورة المياه، يفقد وعيه، يحملانه، يسلمانه إلى عصابة ثرثارة من الشيوعيين. أفرادها، يتحدثون عن الرأسمالية، وكيف تعود أرباح الأفلام لأصحاب ومديرى الاستديوهات، ولا يحصل النجوم والفنانون والكومبارس إلا أقل القليل.. النجم، ويت لوك، التافه، يقتنع بكلامهم.

حبكة «يحيا قيصر» بسيطة، لا تقدم قصة ذات شأن، ولا تعتمد على شخصيات راسخة، متعددة الأبعاد، مثيرة للجدل.. هنا، الأبطال أقرب للأنماط، الأحداث قليلة، وذلك أن بنية الفيلم تنهض على محاكاة أنماط الخمسينيات السينمائية. فيما يشبه الاسكتشات، مبهرة، يسخر الأخوان كوين منها، ومن صناعها.

عن أفلام الغرب الأمريكى، أو الكاوبوى، نرى تنفيذ أحد المشاهد: مطاردة بالخيول، قفزات من حصان لآخر، إطلاق رصاص، حركات رياضية يقوم بها لاعب أكروبات لا علاقة له بفن الأداء التمثيلى، حتى إن المخرج، فى مشهد لاحق، يكاد ييأس منه، لعدم قدرته على نطق جملة حوار، بطريقة صحيحة.. تمتد السخريات لتشمل الأفلام الاستعراضية، ذات الطابع الخلاب، بألوانها المتنوعة، وسحرها الشكلى، وأجوائها الأقرب للأحلام.. بعد رقصة جماعية فى الماء، ذات تشكيلات أخاذة، تبرز فيها «حورية»، ذات ابتسامة رقيقة مبهرة، تتخلص من ملابسها الضيقة، الخانقة، التى جعلها فى شكل عروسة البحر.. الممثلة غاضبة، خشنة، متوترة الأعصاب، ذلك أنها تحمل جنينا فى بطنها، لا تعلم يقينا، من هو والده.. الأخوان كوين، يفضحان أخلاقيات هوليوود المنهارة، فى الخمسينيات.

مدير الاستديو، هو «قيصر الحقيقى» الآمر الناهى، المبجل، المتظاهر بالورع، يعترف بآثامه التافهة، لرجل الدين، يوميا.. وهى خطايا من نوع تدخينه سيجارتين، بعد أن قطع عهدا أمام زوجته بالإقلاع عن التدخين. إنه مشغول دائما، يقع فى مأزق حين تطالبه عصابة خطف نجمة بمبلغ مائة ألف دولار.. وعندما تطارده صحفية كى يدلى بتصريح عن اختفاء النجم، يهددها بالإبلاغ عنها بصفتها منضمة لخلية شيوعية، وهو الاتهام القاتل فى أمريكا خلال الخسمينيات.

يصل الأخوان كوين إلى قمة السخرية، فى الموقف غير المسبوق على الشاشة، حين يجتمع مدير الاستديو، مع النجم الذى أطلق سراحه.. الأخير، يتحدث، كالببغاء، مرددا، حديث خاطفيه عن استغلال أصحاب الاستديو، للعاملين، ابتداء من أكبر النجوم إلى أصغر الكومبارس.. عندئذ، يغتاظ مدير الاستديو، ومن دون تردد، يوجه مجموعات متوالية، متسارعة، من الصفعات، على وجه النجم، وصدره، وظهره، يتعبلها ويت لوك «جورج كلونى» صاغرا، من دون احتجاج، ففيما يبدو أنه يدرك من هو قيصر الحقيقى، وأن الجلود التى يرتديها، والصندل فى قدميه، والسيف المزيف فى جرابه، لا تعنى شيئا. انه فيلم هجائى، ساخر.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات