تعيين القيادات المحلية بين الانتماء الحزبى وضرورات الحيادية - سمير عبد الوهاب - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 6:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تعيين القيادات المحلية بين الانتماء الحزبى وضرورات الحيادية

نشر فى : الأربعاء 22 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 مايو 2013 - 8:00 ص

فى الآونة الأخيرة، تناولت وسائل الإعلام ما أسمته بـ«أخونة الدولة»، مشيرة إلى تعيين أشخاص ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، لشغل مواقع حساسة فى الإدارة المحلية كمحافظين ونواب ومديرين ورؤساء مراكز ومدن وأحياء وقرى فى بعض المحافظات.

 

   وقد تباينت آراء القوى السياسية تجاه ذلك، فبينما عبرت الأحزاب والقوى السياسية الليبرالية واليسارية وكذلك حزب النور السلفى عن تخوفها من الاتجاه إلى أخونة الإدارة المحلية، قللت أحزاب أخرى من بينها حزب الحرية والعدالة وبعض المنتمين لتيار الإسلام السياسى من ذلك، مشيرة إلى أن من تم تعيينهم أعداد محدودة أو إلى أن ذلك يعد حقا للمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين من منطلق أنهم قد حرموا من شغل هذه الوظائف فى العقود الماضية.

 

 ومما لا شك فيه أن تخوف الأحزاب والقوى السياسية من عملية الأخونة لا يأتى من فراغ، بل يستند إلى اعتبارات تاريخية وأخرى قانونية وواقعية. فبالنسبة للاعتبارات التاريخية، كانت الوظائف العامة عنصرا أساسيا فى صراع الأحزاب السياسية فى القرن التاسع عشر فى دول عديدة منها: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وكندا تحت مسميات عديدة كسياسة الغنائم أو الرعايا، فكان الحزب الفائز فى الانتخابات يقوم باستبعاد الموظفين المنتمين للأحزاب الخاسرة وتعيين أنصاره. ونظرا للآثار السيئة التى ترتبت على ذلك، خاصة عدم استقرار الإدارة العامة وحدوث أنواع متعددة من الفساد الإدارى، جاءت دعوة الفصل بين السياسة والإدارة من جانب المفكرين والحركات الاجتماعية والسياسية فى هذه الدول، استنادا إلى أن وظيفة السياسة هى التوجيه أو تحديد مهمة الإدارة، فى حين أن وظيفة الإدارة العامة هى تقديم الكفاءة المحايدة لعملية الحكم. وقامت تلك الدول بمجموعة من الإجراءات للحد من نظام الغنائم من أهمها: التأكيد على مبدأ الحيادية السياسية فى الدساتير وقوانين الخدمة المدنية، واختيار القيادات المحلية إما بالانتخاب عن طريق المواطنين أو بالتعيين عن طريق المجلس المحلى (مثل مدير المدينة فى بعض الدول)، ووضع مجموعة من المعايير والقواعد للاختيار.

 

كما أنشأت هذه الدول نظما للخدمة المدنية قائمة على مبدأ الجدارة، وتولى الوظائف العامة على أساس الكفاءة، بمقتضى امتحانات أو اختبارات، وأكدت على أن يكون الموظف العام محايدا سياسيا مع احتفاظه بحقوقه السياسية الأساسية باعتباره مواطنا كحقه فى الانتخاب وفى الانتماء إلى الأحزاب، ولكنه ممنوع من الترشح فى الانتخابات قبل تقديم استقالته ومن الاشتراك فى إدارة حزب سياسى. ولضمان الحيادية السياسية للموظفين تم إنشاء لجان خدمة مدنية مركزية يرأسها شخص مستقل، للتأكد من أن عملية اختيار وتعيين الموظفين تستند إلى معايير الجدارة وبعيدة عن النفوذ السياسى. ويحق لهذه اللجان فتح أى تحقيقات فى حالة الشك فى المساس بمبدأ الحيادية والشك فى تأثير النشاط السياسى للموظف العام على حيادية الخدمات العامة، كما يحق لها توقيع العقوبات على الموظف الذى تثبت مخالفته لذلك. كما أصدرت مدونات قواعد السلوك التى توضح الممارسات الصحيحة من الممارسات الخاطئة وتضمن التزام الموظفين العموم بـ«الخلق الحيادى» بحيث يكونون غير حزبيين فى تعاملاتهم.

 

●●●

 

 وتتمثل الاعتبارات القانونية والواقعية التى من شأنها زيادة المخاوف لدى الأحزاب والقوى السياسية فى عدم وجود نصوص دستورية وقانونية واضحة تؤكد وتضمن الحيادية السياسية، باستثناء بعض النصوص العامة التى وردت فى الدستور وتؤكد على المساواة بين جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات العامة وعلى أن تتيح الدولة الوظائف العامة للمواطنين على أساس الجدارة دون محاباة أو وساطة. وإلى جانب ذلك، عادة ما لا يتم اتباع القواعد القانونية فى التعيين فعلى الرغم من أن القانون رقم 5 لسنة 1991 فى شأن الوظائف المدنية القيادية فى الجهاز الإدارى للدولة والقطاع العام ولائحته التنفيذية قد نص على أن يكون شغل هذه الوظائف فى الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة ووحدات الإدارة المحلية عن طريق الإعلان فى صحيفتين يوميتين واسعتى الانتشار ومن خلال لجان يراعى فى اختيار أعضائها أن يكونوا من بين الكفاءات المشهود لهم بالنجاح فى عملهم، إلا أن عملية التعيين تتم فى الغالب بعيدا عن الشفافية ومن خلال لجان لا تتوافر فيها بالضرورة عناصر الكفاءة والحيادية فضلا عن غياب المعايير الموضوعية للاختيار.

 

●●●

 

 وانطلاقا مما سبق ومن أهمية دور القيادات المحلية المتمثل فى تنمية المجتمع المحلى وارتباطها المباشر بالأمور الحياتية للمواطن، نرى ضرورة التأكيد على الحياد والموضوعية سواء فى حالة تعيين هذه القيادات أو عند تقديمها الخدمات لجميع المواطنين وذلك من خلال ما يلى:

 

● ضرورة توافر شروط ومعايير محددة فى اختيار القيادات المحلية، وإعطاء الحق للمجالس المحلية وللمواطنين فى التعبير عن وجهات نظرهم فى تعيينهم وعزلهم ومساءلتهم. ومن الشروط التى نرى ضرورة توافرها: قضاء الشخص مدة محددة فى وظائف الإدارة المحلية، والتأكد من نجاحه فى ممارسة العمل فى المواقع المختلفة، وأن تكون لديه رؤية لمستقبل الوحدة المحلية من خلال برنامج واضح وشامل وقابل للتطبيق، وأن تكون لديه القدرة على التعامل مع المواطنين والمجالس المحلية وحل المشكلات وإدارة الأزمات واتخاذ القرارات. وفى هذا الصدد، نقترح أن تكون هناك لجنة تتبع رئيس الوزراء تضم مجموعة من الخبراء المحايدين والمشهود لهم بالكفاءة، وتختص بترشيح القيادات المحلية وتقييم أدائهم وفقا للمعايير الموضوعية التى يتم الاتفاق عليها، على أن يتم ترشيح اثنين ليختار المجلس المحلى للوحدة المحلية واحدا منهما ثم يصدر بعد ذلك قرار التعيين (من رئيس الجمهورية فى حالة المحافظين، ومن رئيس الوزراء أو وزير الإدارة المحلية فى حالة القيادات المحلية الأخرى). ويجب أن يكون التعيين لمدة أربع سنوات (مدة المجلس المحلى أو رئيس الجمهورية) مع جواز تجديدها لمرة واحدة فقط. 

 

● ضرورة إيجاد نظام قانونى يضمن إستقلالية الإدارة عن السلطة السياسية بضرورة النص على التزام الموظف بالحيادية السياسية وبالمهنية والموضوعية فى أداء أعمال وظيفته.

 

● إبعاد العوامل السياسية عن التعيين فى الوظيفة العامة، وذلك بالاعتماد على المسابقات والامتحانات بما يكفل تحقيق المساواة بين جميع المتقدمين وبما يؤدى إلى التوصل إلى أفضل العناصر من حيث المؤهلات والخبرة والمهارة.

 

● عدم القيام بتحريات حول الآراء السياسية للمرشحين للوظائف العامة احتراما لحرية الرأى. كما يجب أن ينصب التحرى على المرشح نفسه ولا يمتد إلى أفراد أسرته أو غيرهم من المحيطين به.

 

● الالتزام بالتفسير الضيق لمدلول الوظائف التى تتمتع فيها القيادات السياسية بسلطة التعيين بحيث تقتصر على الوظائف الحساسة ذات الطابع السياسى. ويفضل أن يتم تحديدها على سبيل الحصر بدلا من تحديدها عن طريق الوصف وذلك حتى نقلل من احتمالات إساءة استعمال السلطة.

 

● وضع مدونة قواعد للسلوك تتضمن مجموعة مبادىء ومعايير إرشادية تضمن النزاهة والشفافية والمساءلة فى عمل الموظفين والقيادات المحلية، وتساعدهم على القيام بأعمالهم اليومية ومسئولياتهم. ويجب أن تتضمن الحفاظ على تقديم الخدمات للمواطنين بشكل حيادى بعيداً عن الفئوية الحزبية والمصالح الخاصة مع ضرورة ولاء الموظف للحكومة بغض النظر عن توجهاتها السياسية ومعتقداتها.

 

 

 

أستاذ الإدارة العامة ومدير وحدة دعم سياسات اللامركزية

 

كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ــ جامعة القاهرة

سمير عبد الوهاب أستاذ الإدارة العامة ومدير وحدة دعم سياسات اللامركزية بجامعة القاهرة
التعليقات