المعارك القادمة - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 6:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المعارك القادمة

نشر فى : الجمعة 22 يونيو 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 22 يونيو 2012 - 8:25 ص

فى أسبوع واحد شهدت مصر أول انتخابات رئاسية حقيقية، والتى أتت ــ لأول مرة ــ برئيس مدنى، من خارج مؤسسات الدولة الأمنية، وشهدت أيضا ثلاثة تدخلات من أجهزة الدولة لإجهاض عملية التحول الديمقراطى. ولا شك أن الفترة القادمة ستشهد استمرار هذه المعركة الرامية لإسقاط نظام مبارك، وثمة ما ينبغى القيام به للنجاح فى تلك المعركة.

 

أتت التدخلات من مؤسسات نظام مبارك المختلفة، من المحكمة الدستورية التى حلت مجلس الشعب فى زمن قياسى، والعسكر الذين أصدروا إعلانا دستوريا مكملا ينقل السيادة بالكامل للمجلس العسكرى اغتصابا لها ممن انتخبهم الشعب، ثم أصدروا قرارات تتعلق بصميم عمل الرئيس القادم وفريقه الرئاسى قبيل دخوله القصر، والإعلام الذى صور بعض هذه التدخلات على أنها انتصار (للثورة) وحفاظ على (المدنية).

 

وتعكس هذه التدخلات مسعى الحفاظ على نظام مبارك، سواء من رجال النظام ومؤسساته، أو من شبكة المصالح المحلية والإقليمية والدولية المرتبطة به، وهذه تحاول الحفاظ أولاً: على بنية النظام الاقتصادية والاجتماعية وسياسته الخارجية. وثانيا: على مصالح الأفراد المترابطة، والقائمة على منظومة الفساد. فهى على استعداد للتضحية ببعض الأشخاص أحيانا للحفاظ على مجموعهم، أو للحفاظ ــ من باب أولى ــ على الهياكل والسياسات.

 

وتفكيك هذه المنظومة لا يقوى عليه أى تيار منفردا، مهما بلغت قوته الانتخابية، لأن أدواته ليست القوة العددية وحدها، بل تدخل فيه عناصر أخرى كقوة المال والإعلام والمؤسسات المعلوماتية والأمنية، وهذه استطاعت خلال أشهر ما بعد خلع مبارك أن تعيد تصنيع النظام بوسائل عدة، منها المال السياسى، وصناعة مجالات تطبيع العلاقات مع الفلول على الأصعدة السياسية والاقتصادية والإعلامية، والدفع باتجاه الاستقطاب على أساس الهوية الذى ظنته بعض الأطراف يخدم مصالحها السياسية فإذا به يؤدى ــ مع غيره من الوسائل ــ لحصول آخر رؤساء وزراء مبارك على أكثر من اثنى عشر مليون صوت فى الانتخابات الرئاسية.

 

ومواجهة هذه المنظومة إنما يكون بسد الفجوات، ولا يكون هذا بغير اصطفاف وطنى يطمئن فيه كل شريك إلى شريكه، ولا يشعر الطرف الأضعف بتهديد من الأقوى يلجئه إلى الخصم، ولأجل هذا كان الأولى بالإخوان ألا يقدموا مرشحا رئاسيا، خاصة بعد النتائج التى حققوها فى الانتخابات البرلمانية، غير أن تقديم مصلحة التنظيم وتماسكه على المصلحة العامة دفع بالجماعة لتقديم مرشح، فثنت بذلك القلق من الأكثرية البرلمانية، ثم ثلثته بالأداء السىء فى تشكيل الجمعية التأسيسية، وأضافت إليه أداء برلمانيا صرف عنها الشارع الثورى ــ بل وعاداه أحيانا ــ فكان أن ساهمت فى تفتت الصف الثورى ولجوء البعض لعسكر مبارك استقواء بهم، فتعادلت الكفتان ــ التغيير والنظام القديم ــ وصار استكمال الثورة على المحك.

 

وستكون المعارك القادمة للثورة أكثر صعوبة من السابقة، لأسباب، أولها: أن الثورة كانت طوال المدة الماضية بعيدة عن قلب السلطة، ثم حان موعد تسليم السلطة الكاملة، فبدأت محاولات الالتفاف عليها (ومن ذلك ــ إضافة لما سبق من تدخلات ــ تأخير إعلان النتيجة وما يجرى الحديث عنه من مساومات)، وثانيها: أن نظام مبارك صار يستشعر قوته بالأصوات الانتخابية التى حصدها مرشحه، وثالثها: أن الطرف المفترض استلامه السلطة لم ينجح بالقدر الكافى فى طمأنة شركائه وخصومه السياسيين، وبالتالى فهو لا يستند بقدر كاف إلى إرادة تتخطى تياره السياسى يمكنه بها الضغط لانتزاع السيادة وتحريرها.

 

ولا بد للمضى قدما فى مسار تفكيك نظام مبارك من استعادة الاصطفاف الوطنى، وهو ما يحتاج من كل الأطراف لمراجعات جادة، وإعادة النظر فى السياسات والأولويات، أما الإخوان فقد أثبتت التجربة الانتخابية أنهم لا يستطيعون الفوز منفردين، فالأصوات التى حصدها مرشحهم فى الجولة الانتخابية الأولى أقل من نصف ما حصده فى الثانية، والتى فاز فيها بفارق من الأصوات يقل عن مليون صوت، وكان أكثر من دعمهم فى هذه الجولة الثانية الأطراف التى تلقت أكثر سهام تجريحهم، وأعنى الحملة الرئاسية للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، وبعض الحركات الثورية كتنظيم الاشتراكيين الثوريين وحركة 6 أبريل، وهو موقف يستدعى مراجعة الجماعة لمواقفها إزاء خصومها السياسيين.

 

والإخوان فى حاجة لدعم هذه الأطراف وغيرها الآن أكثر منهم فى المعركة الانتخابية، إذ سيواجه الرئيس القادم من دون شك عقبات تهدف لإفشاله، بعضها يتعلق بملف الخدمات من السولار والبنزين والبوتاجاز ورغيف الخبز، وبعضها يتعلق بقضايا الأمن القومى كالعنف الطائفى، وبعضها بالقضايا الحقوقية كالتعذيب، ولن يمنع مؤسسات الدولة من إفشال الرئيس القادم بهذه الوسائل إلا التفاف القوى الوطنية حوله على النحو الذى يمكنه من تطهير هذه المؤسسات وإعادة هيكلتها.

 

على أن الإخوان لا يتحملون مسئولية العودة للاصطفاف الوطنى وحدهم، فلجوء بعض خصومهم السياسيين للعسكر طلبا لبعض المزايا لا يبرره القلق من الإخوان، إذ النظر فى التأريخ القريب يقول باستحالة طلب الحقوق ممن سلبها طيلة عقود قبل الثورة، والنظر فى تجارب التحول الديمقراطى يقول بأن أحد أهم عوامل نجاحها هو الإيمان بها والاستمرار فيها وإن كانت نتائجها على عكس المراد، فالجمعية التأسيسية التى شكلها البرلمان ذو الأكثرية الإخوانية سيئة، لأنها لا تعبر عن فصائل المجتمع (وبالأخص الفئات المهمشة منهم من عمال وفلاحين ومواطنى المناطق الحدودية وغيرهم) بشكل كاف، ولكن إصلاحها لا ينبغى أن يكون باللجوء للعسكر أو القبول بتدخلهم فى تشكيل الجمعية وإعطائهم حق نقض النصوص الصادرة عنها، فالنتائج المترتبة على ذلك هى فى كل الأحوال أسوأ من النتائج المترتبة على الضغط السياسى على الإخوان للاتجاه نحو الدستور التوافقى.

 

تقديرى أن مثل هذا التقويم فى أداء الأطراف السياسية الرئيسة هو شرط لعدم الردة إلى نظام مبارك، إذ به وحده يمكن بناء مؤسسة رئاسية وحكومة تقومان على الشراكة، وعلى قدر مشترك من المبادئ والمقاصد، منها ما يتعلق بالدستور ومحل الخلاف فيه، ومنها ما يتعلق بإدارة المعركة من العسكر وشبكات المصالح حتى تتم استعادة السلطة بالكامل للشعب ومؤسساته المنتخبة ديمقراطيا، ثم إعادة هيكلة هذه المؤسسات، وتطهير غيرها من مؤسسات الدولة، حتى تصير أكثر تعبيرا عن إرادة ومصلحة وهوية الجماعة الوطنية المصرية.

التعليقات