أموال وآمال 3 ــ بلا عمل = بلا إنسانية = بلا دين - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أموال وآمال 3 ــ بلا عمل = بلا إنسانية = بلا دين

نشر فى : الجمعة 22 أغسطس 2014 - 8:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 22 أغسطس 2014 - 8:10 ص

(1)

نعم.. فالله خلق جميع المخلوقات وسخرها جميعها خاضعة خاشعة تنتظر أمر السيد «السيد المستخلف» (آدم وأولاده إلى يوم الدين).. هكذا قضى الله وأخبرنا بأمره، إذ ثبت واضحا فى القرآن الكريم تسخير كل من (الأرض ــ الأنهار ــ البحار ــ الشمس ــ القمر ــ الليل ــ النهار ــ السحاب ــ النجوم ــ الطير ــ الفلك) وذلك فى آيات واضحة محكمة لا تحتاج إلى تأويل. ثم أكدّ القرآن كل ذلك بقوله: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). أى أن جميع ما فى الكون قد تم تسخيره وتلقينه ضرورة خضوعه لابن آدم، فهذه المسخرات كلها وما ينتج عنها من تفاعلات (الرياح/ المطر/ الحرارة/ الضغط الجوى إلخ) وهذه الأرض والسماوات بما تختزنه من أرزاق (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) فها هى الخزائن ممتلئة متراكمة خلال طبقات فوق طبقات تنتظر العامل الجاد والباحث الدؤوب لتخضع لأمره وتلين فى يده وتلتزم بنفعه وقضاء حاجاته.

(2)

فها أنت أيها الإنسان قد جعلتك ــ رحمة الله ــ أمام مسئولياتك عن نفسك، وأتاحت لك كل ما تحتاجه، وليس عليك إلا النظر وإحسان العمل تحملا للمسئولية وسعيا نحو إعمار دنياك وإسعاد نفسك وضمان حسن آخرتك. فهل كثير عليك أن تعمل وتجهد لنفع نفسك وإسعادها؟!

فها هى الدنيا «لا يصلح فيها أمل بغير عمل»، و«لا ينتج فيها الكلام دون حراك وسعى»، و«لا يحدث السعى أثره المرجو دون رشد ودون مشورة ودون تعاون وتكافل».

فالعمل بصفة عامة والعمل البدنى واليدوى بصفة خاصة هو أعلى مراتب الإنسانية، فالوظيفة الأساسية للبشر هى العمل المنتج، وهذا العمل هو الذى يجعل البشر إنسانا يستحق أن يتساوى مع الناس، ويستحق السيادة على الكائنات الأخرى.

فإذا لم يعمل الإنسان عملا جادا منتجا أصبح ركاما وحطاما مثله مثل الأرض البور يتجنبها الناس ويفرون منها، كما يصبح عاجزا منتظرا من يحسن إليه ومن يطعمه ويسقيه. فهل يرضى عاقل لنفسه أن يصبح تابعا صامتا مسخرا لإرادة إنسان مثله؟!

(3)

وقد علم الله العليم الحكيم أن نفس الآدمى قد تتعاظم على العمل، وقد تتكبر على استخدام أيديها فى الإنتاج والتغيير والزرع والرعى، فالنفس الأمارة بالسوء تحبب لصاحبها الفراغ وادعاء الاستغناء (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى). فحينما يسعى غيره يكتفى الكسول بالقعود ذليلا ينتظر عطاء الحكومات، أو بر المحسنين. وإذا أساءت الحكومات أو أهملت أو جهلت أو تجاهلت واجباتها فإن هذا الشخص الكسول القاعد لا يقدر إلا على اجترار المواجع والرضا السلبى المميت، وينسى كرامته وينسى وظيفته بل ينسى أنه يجب أن يعطى مثلما يفعل غيره. وعلاجا لكل هذه الأوهام والأمراض وحثا للإنسان على العمل مهما ثقل فإن الله قد أمر رسوله ــ رغم أعباء الدعوة والجهاد ــ بمواصلة بذل الجهد دون انقطاع فقال تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ *وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ). بل أكثر من ذلك فإن الله قد بين أنه يعمل بل يعمل بيديه (دون تشبيه ولا تجسيم) فقال عن نفسه: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ* وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ*وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ)

(4)

ومن عجائب القرآن الكريم فى سورة يس أن قال الله تعالى عن نفسه (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا)، ثم قال عن العباد: (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ). يا سبحان الله هل يعمل الله بيديه ــ كما قال ــ ويبذل الرسول الجهد دون انقطاع كما رأينا ويستكبر الإنسان أن يعمل؟! ما هذا الكبر والكنود؟! ما هذا التردى والهبوط من مستوى الإنسان إلى مستوى الحجر والتراب أو أقل؟!

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات