نساء .. (الحارة) - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نساء .. (الحارة)

نشر فى : الأربعاء 22 سبتمبر 2010 - 1:01 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 سبتمبر 2010 - 3:51 م

 الأداء التمثيلى، فى تاريخنا الفنى، كان من العناصر المتفوقة، وحتى فى الكثير من أفلامنا المتواضعة تجد لحظات إبداع من هذا الفنان أو تلك.. لكن الآن، من الممكن القول، بضمير مستريح، إن مستوى الأداء التمثيلى عندنا، إجمالا، وصل إلى درجة رفيعة من التمكن، والقدرة على الإقناع، فضلا عن أسلوب مصرى، محلى، يمنح أعمالنا طابعا خاصا، صادقا، يميزه بوضوح عن الأعمال الأجنبية.. دليلى على هذا ما شاهدناه فى مسلسلات رمضان، وإليك هذه الأمثلة:

يضم مسلسل «الحارة» عددا من نساء قد لا يتوافر فى مسلسل آخر. كاتب «الحارة» أحمد عبدالله، ومخرجه سامح عبدالعزيز، مفتونان بأسلوب «الأوتشرك»، الذى يقدم العديد من النماذج البشرية، يضمهم مكان واحد، والمكان ليس مجرد ديكور سلبى كما فى مسلسلات «السيت كوم»، وليس خشبة مسرح محايدة، ولكن له حضوره وشخصيته وأبعاده الاجتماعية والنفسية، يؤثر فى ساكنيه ويتأثر بهم. وبقدر ما يتصاعد العمل، بأحداثه، رأسيا، يمتد أفقيا لنرى المزيد من المكان والناس.. هنا، الحارة فقيرة، عشوائية، معتمة، دميمة ــ لا تصدق من يقول إنها تسىء لسمعة مصر ــ تتجانس تماما مع قاطنيها، سواء فى الملبس أو أثاث الشقق الضيقة أو التصرفات. نصف الحارة نساء، تنهض من بينهن نيللى كريم فى دور «منى»، ذات الوجه الجميل، المنسق التقاطيع، ولكن واقعها جعلها أقرب إلى الصقر، ذات مخالب جارحة، شرسة، رعناء، لا تتوانى عن الاتجار فى المخدرات، وتواجه السجن بلا ندم. نيللى كريم، استوعبت الأبعاد الداخلية للشخصية، وبدت عفوية تماما فى حركتها، ولفتاتها، ونظراتها التى لم تغب عنها تلك النزعة للتمرد والخروج من القفص، الذى تدرك أن لا فكاك منه..

وتماشيا مع خشونة الحارة، تتضاءل رقة العواطف، أو على الأقل، لا يتم التعبير عنها بنعومة، فها هى سوسن بدر تتحايل على الحياة الضنينة بكل السبل، يخفق قلبها حبا وقلقا على ابنتها الوحيدة، ومع هذا فإنها، على الطريقة المصرية، الشعبية، لا تتوقف عن زجرها وتأنيبها.. سوسن بدر، ذات الوجوه المتعددة، المتلونة، تثبت جدارة فى الكوميديا، خاصة فى «عايزة أتجوز»، وتمس شغاف القلب فى التراجيديا، فعندما يشتد بها المرض، فى «الحارة»، تتنفس بصعوبة وتجعلها تحس بألم التقاط أنفاسها حيث تنتفخ عروق رقبتها مع كل استنشاق صعب للهواء.. إلى جانب سوسن، من الأمهات، ثمة القديرة، سلوى محمد على، المستوعبة تماما لعناء المرأة الصابرة على هجرة ابنها من ناحية، وشراهة زوج ابنتها الوغد من ناحية ثانية، ومرض شريك حياتها من ناحية ثالثة. سلوى، تحافظ طوال الحلقات على وحدة الشخصية، وتبدو ــ كقبطية، وكما فى الواقع ــ جزءا لا يتجزأ من نسيج الحارة.

قواسم مشتركة كثيرة تربط بين نساء «الحارة»، لكن لم يفت المؤلف والمخرج، إبراز الفروق الفردية بين امرأة وأخرى، ووضعت كل ممثلة بصمتها الخاصة على الشخصية التى تؤديها، فإذا كانت رانيا يوسف تعطى إحساسا بأنها منكسرة، تريد إخفاء نفسها داخل نقاب، وتتسول، فإن علا غانم تعبر بعينيها، وفمها نصف المفتوح، عن الشراهة والرغبة عند فتاة ضاعت أحلامها.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات