العدالة الانتقالية بين التسامح والقصاص - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العدالة الانتقالية بين التسامح والقصاص

نشر فى : السبت 22 نوفمبر 2014 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 22 نوفمبر 2014 - 8:30 ص

من أهم الموضوعات التى أرى أنه يجب طرحها فى حوار القوى الوطنية والذى أقترحه الرئيس السيسى على جريدة الشروق «العدالة الانتقالية»، فالمراحل الإنتقالية من أخطر المراحل التى يمكن أن تمر بها الشعوب، وهى تأتى بعد حروب طاحنة أو معاهدة سلام أو ثورة.. إلخ. المهم أن تكون البلاد فى ظروف غير معتادة أو طبيعية. وعادة يعيش الشعب كله بجميع فئاته هذه الفترة بكل جوارحه، لأنه يعلم أنه إذا استطاع أن يعبر هذه الفترة بنجاح فسوف يشكل مستقبلا رائعا، فيه ينسى الشعب كل ما عانى من قسوة وفوضى أيام الثورة. أما إذا فشلت الفترة الانتقالية فهذا يعنى إفراغ الثورة من مضمونها، ويحدث نوع من الإحباط واليأس عند الناس.

ربما يقول البعض إنه بثورة 30 يونيو قد استقرت البلاد ونحن لسنا فى فترة انتقالية، لكن هذا القول ضرب من الوهم، وطبيعة هذه الفترات ظهور النعرات الطائفية والعرقية، ونحن الآن فى أوجها كذلك تظهر مشكلات الحدود مع الدول المجاورة، مع موجة تخوين ثوار 25 يناير وموجة رفض حكم 30 يونيو على طريقة حقوق الإنسان.

•••

كل هذا يعلن يا سادة أننا ما زلنا فى المرحلة الانتقالية. وفى أى مرحلة انتقالية لابد أن تحسم ثلاث قضايا فى منتهى الأهمية وإلا ابتلعت المرحلة الانتقالية كل إنجاز تحقق، قضية الهوية، قضية الفكر الدينى، وأخيرا قضية الوطن والمواطنة.

أولا قضية الهوية:

لأن النعرات الدينية والعرقية تجد مجالا خصبا فى الفترات الانتقالية لذلك تم حرق الكنائس وتهجير بعض المسيحيين من قراهم وقتل بعض قيادات شيعية وضغط شديد على البهائيين.. إلخ. كل هذه الأمور لم يتم فيها أى تحقيق جاد بل لا يوجد فى هذه القضايا متهمون مما يؤدى إلى فقدان الثقة من الاقليات، ويشجع الخارجين على القانون من الأكثرية أو المتعصبين منهم لمزيد من التطرف والعنف. وقد ثبت أن الحل الأمنى يزيد الأمر اشتعالا، لذلك يجب على الدولة ومؤسساتها الدينية والتعليمية والثقافية تناول قضية اهتزاز الهوية لأشخاص يرفضون مصريتهم وآخرون يرفضون عروبتهم. بل ظهر الآن قطاع عريض يرفض الدين كمكون للهوية. ولأن الهوية قضية شخصية قبل أن تكون طائفية أو دينية أو مجتمعية كنت انتظر من وزارة الإعلام مع وزارة الثقافة والتعليم والمؤسسات الدينية أن يتفقوا على أن هوية مصر فرعونية مصرية دينية (مسيحية بكل طوائفها ــ إسلامية بكل شيعها ــ يهودية). وكذلك هناك ديانات أخرى يتبعها بشر لا يقلون مصرية عن غيرهم، وكذلك مصريون لا دينيين.. إلخ. وأن يعلنوا ذلك بكل وضوح. هذه النغمة لابد أن تتردد وبقوة، لأن أقسى الجروح التى تصيب جسد الأمة وأعمقها هى جروح الهوية.

•••

أما الأمر الثانى المهم فى المرحلة الانتقالية فهو الفكر الدينى:

نتحدث هنا عن القصاص والتسامح وهما قيمتان دينيتان، والحسم هنا سيكون للفكر أو التفسير الدينى لهذين المصطلحين والسؤال المطروح هو: هل نعاقب؟ أم نسامح؟ وفى الحالتين كيف نحقق العدالة الناجزة لأن العدل البطىء ظلم بين. وهناك قضايا لم تحسم بعد رغم مرور السنين منها قتل المتظاهرين، قضية بورسعيد (مباراة الأهلى والمصري) قضية ماسبيرو، والتى لا يوجد فيها متهم واحد وغير ذلك الكثير، والوضع الآن أننا لم نسامح ولم نعاقب فى الوقت الذى فيه نستمع إلى خطاب يؤجج الكراهية على الهواء مباشرة وخطاب معتدل على استحياء، وخطاب متسامح مرفوض من الأغلبية.

عندما يسقط شهيد نسمع المطالبين بالقصاص، وفى مرات نادرة نسمع طلب الصفح والغفران معنى هذا أن النفوس محملة، وعندما لا يجد البشر العدالة ينتقمون لأنفسهم.

هناك ثلاث خطوات مهمة يجب اتخاذها:

1 ــ سن قانون خاص بجرائم المرحلة الانتقالية: لأن هذه الجرائم ارتكبت فى ظروف استثنائية مثل الثورة أو الفوضى الاجتماعية، كان لابد من قانون خاص ينص على إمكانية تسامح صاحب الحق، فإذا سامح ولى الدم الجانى ينتهى الأمر.

2 ــ تكوين محاكم خاصة تطبق مثل هذا القانون تعطى مساحة خاصة للتسامح.

وفى جنوب إفريقيا تجربة لا يجب إغفالها حيث أسسوا قضاء خاصا بقانون خاص لجرائم المرحلة الانتقالية، تسير القضية فى مجراها الطبيعى ويحكم القاضى على الجانى ثم فى جلسة خاصة تستدعى عائلة المجنى عليه لتجلس مع الجانى ومعهما رجل دين أو أكثر، وبعد حوار يتقدم الجانى إلى المجنى عليه طالبا المسامحة فإذا سامحه المجنى عليه يطلق حرا وإذا رفض يطبق عليه الحكم فورا.

ولقد سبق هذه الإجراءات وأثناء المحاكمات دعوى ضخمة إلى الحب والتسامح قام بها رجال دين وثقافة.

3 – تحدد مدة معينة للانتهاء من قضايا المرحلة الانتقالية.

•••

أما القضية الثالثة فهى قضية الوطن والمواطنة:

نرى أيضا فى تجربة جنوب إفريقيا بعض الفائدة، فعندما وصل مانديلا للحكم عام 1994 أراد أن يبنى بلده لتصير دولة قوية تحقق الحد الأدنى للمعيشة وتصنع نهضة إقتصادية وتطورا إجتماعيا سياسيا. ولقد حرص على عدم جر البلاد لأى نوع من الفتنة، أراد أن يطبق النظام الاشتراكى الديمقراطى (الإنتاج والعدالة) رفض أن يدمر الأجهزة القائمة (جيش ــ الشرطة ــ القضاء) لأنهم من العهد البائد بل اعتبرهم جزءا من الدولة الجديدة. كذلك ترك الرأسماليين والإقطاعيين، قائلا إنه لن يذبح البقرة ليأكل الأبناء، كما حدث عندنا من محاولات لهدم الأنظمة القائمة واصطدام السلطات بعضها ببعض وابتزاز الأغنياء.. إلخ.

•••

نحتاج اليوم وقبل الغد أن نرى استراتيجية واضحة تنقل البلاد من التوتر وغموض المستقبل إلى الاستقرار بتوضيح منهجية الحكم ورؤيته من خلال هذه القضايا الثلاث: الهوية ــ الفكر الدينى ــ الوطن والمواطنة.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات