شيخوخة دولة عبدالناصر «الإعلامية» (4-4) - يسري فودة - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شيخوخة دولة عبدالناصر «الإعلامية» (4-4)

نشر فى : الأحد 22 نوفمبر 2015 - 11:25 م | آخر تحديث : الأحد 22 نوفمبر 2015 - 11:25 م

ــ 1 ــ
أطلق الرئيس المصرى، عبدالفتاح السيسى، رصاصة دقيقة قبل ثلاثة أسابيع ــ وإن كانت فى اتجاه المعنى الخطأ ــ عندما عبر عن مشاعره تجاه حال «الإعلام» فى مصر، وهو يوبخ أحد «عشاقه» من «الإعلاميين»، قبل أن يتساءل: «إنتو بتقولوا كل حاجة فيها كارثة، طب هو القطاع ده مفيش فيه كارثة واللا إيه؟» الإجابة: بلى، فيه كارثةٌ، وأى كارثة! وليس هذا هو السؤال.

السؤال: لماذا ومن يقف وراءه وكيف وصلنا إليه؟ لكنه فى الوقت نفسه استخدم فى وصف الإعلام كلمة تلفت النظر ــ ربما عن غير قصد ــ من قاموس دولة عبدالناصر «الإعلامية«: القطاع.
ــ 2 ــ
«القطاع» فى مصر تابع للدولة، والدولة فى مصر تعنى الحكومة، والحكومة فى مصر تابعة للنظام، والنظام فى مصر يعنى ما وضع عبدالناصر أسسه قبل أكثر من ستين عاما (و ترجمه بتصرف السادات ومبارك). وما وضع عبدالناصر أسسه قبل أكثر من ستين عاما أعلن إفلاسه رمزيا فى صورة هذا «القطاع» عندما ثارت مصر فى 25 يناير فثبت النظام كاميراته وأقلامه على «ماشربتش من نيلها» ــ على بعد خطوة واحدة من ميدان التحرير. يسقط رأس النظام ويبقى جسده بينما تعلق بالذاكرة صورة رمزية أخرى لثوار التحرير يكنسون الشوارع وراءهم.. كأنهم يقولون لأنفسهم وللعالم: «نحن لسنا أوساخا كما أردتم لنا أن نكون».
هذه الرسالة وجدت طريقها سريعا إلى إعلام الأسابيع الأولى بعد الثورة بينما انشغل جسد النظام بعملية إعادة إفراز الخلايا تحيُنا لإنتاج رأس جديدة. فى محاولاتهم للوصول إلى الجماهير، لم يكن أمام ممثليه ــ ومعظمهم من وراء ستار ــ بديل سوى المرور عبر المنافذ الخاصة القليلة التى اكتسبت مصداقيتها من محاولة الالتزام بالمهمة الرئيسة للإعلام، التى هى ببساطة: الإعلام. ورغم أن هذه فى حد ذاتها «رذيلة» كبرى فى كتالوج دولة عبدالناصر «الإعلامية»، فإن جانبا من المغلوب على أمرهم فى ماسبيرو وفى مؤسسات صحفية كبرى تشجَع هو الآخر فكان كمن تنفس أخيرا بعد غطسة فى مستنقع دامت سنوات طويلة. ثم أُلغيت وزارة الإعلام فبدا الأمر لكثيرين أن دولة عبدالناصر «الإعلامية» تداعت إلى غير رجعة، خاصة وقد أظهرت أصوات وأقلام كثيرة قدرة فائقة على التلون تعايشا مع الواقع الجديد.
ــ 3 ــ
ربما منذ الأزل، بدأت مصر تتعرف على مصر من خلال الإعلام فى لحظة مكاشفة خارج الإطار الذى رُسم لكل مكوِن من مكوناتها من جانب السلطة عبر مختلف العصور. وبدأت كذلك فى طرح «أنظف» ما فيها وقد تراجع الآن «الأوسخ» فى مختلف المجالات. وأمام ثورة فى عنفوانها وإعلام يمارس مهمته الحقيقية فى فرض الرقابة والمحاسبة أظهرت دولة عبدالناصر «الإعلامية» وجها ودودا مستوعبا ارتبطت تجاعيده بتطورات الأمور سياسيا على الأرض ــ إلى أن وقعت الثورة فى المطب الأول: الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس/آذار 2011.
ــ 4 ــ
من تلك اللحظة، بدا وكأن فى مصر «تعددية إعلامية» تعكس ما يتطور الآن على الأرض من تعددية سياسية/دينية/طائفية/طبقية/مصلحجية. مثلما أسفر الميدان وقتها عن ثلاث قوى أسفر الإعلام أيضا عن ثلاث: هؤلاء من مخلفات عصر مبارك، وأولئك من الناطقين باسم «التيار» الدينى، وبينهما الحالمون بدولة القانون والديمقراطية. حاول النوع الأول التخفى تحت عباءة النوع الثالث، لكن روحه فى الواقع كانت دائما على بعد اتصال هاتفى تسكن لا تزال فى دولة عبدالناصر «الإعلامية»، بينما أضر النوع الثانى أفدح الضرر بقضيته من حيث أراد أن يخدمها. وإذا كان من السهل فهم انتهازية النوع الأول، فقد كان من الصعب تقبل أن ينحدر من يزعمون أنهم يدافعون عن دين الله إلى مستوى بذئ من «الإعلام» يخوضون منه فى الأعراض ويكفرون به كل من يختلف مع مواقفهم.
ــ 5 ــ
كانت هذه أغلى هدية وُضعت مجانا بين يدى النظام الذى كان مستمرا، لا يزال، فى عملية إعادة إفراز الخلايا فى هدوء. لمن الثورة اليوم؟ بين فريق رأى فى صعوده إلى سطح الحياة بعد عقود من الكبت «لحظة التمكين» المنتظرة وما سواها كفر بالله، وفريق رأى فى القضاء على ملف التوريث نهاية طبيعة وما سواها خيانة للوطن، وفريق ثالث مستضعف انحشر بينهما بحثا عن طريق ثالثة عمادها دولة القانون والديمقراطية. دخلت هذه الفرق جميعا فى ما يشبه لعبة الكراسى الموسيقية التى ظهر صداها فورا فى إعلام كل منهم. بعد ميدان جمع الفريق الأول بالفريق الثالث فى مواجهة الفريق الثانى، تراوحت التحالفات الثنائية أمام طرف أو آخر اعتمادا على حسابات كانت فى معظمها أنانية ضيقة الأفق، وكانت قيادات الإخوان أكثر الخطائين فيها بكل تأكيد.
فى تلك الفترة، كانت دولة عبدالناصر «الإعلامية» العجوز قد أفاقت من الصدمة الأولى فأعادت السيطرة المباشرة على الفريق «الإعلامى» الأول من مخلفات عصر مبارك، وبدأت فى تلمُس الطريق نحو سيطرة «مهذبة» على بوابات الفريق الثانى من أصحاب القنوات والصحف الخاصة وكبار موظفيها، بينما تولى الفريق الثالث من «إعلام» التيار الدينى قتل نفسه بنفسه فى سذاجة مبهرة. إلى أن وقعت الطامة الكبرى أمام قصر الاتحادية فى ديسمبر/كانون الأول 2012 بعد أن حاولت قيادات الإخوان تأميم البلاد كلها لصالح الجماعة من خلال «إعلان دستورى» غير دستورى. من لحظتها، لم يعد محمد مرسى رئيسا لكل المصريين. ومن لحظتها، بدأت عقارب الإعلام تعود مرة أخرى إلى الاتجاه الخطأ فى دفاعها عن قضية صائبة. مأساة بكل المقاييس فتحت البوابات لاحقا على مصاريعها وحقنت الدولة «الإعلامية» العجوز بجرعة زائدة من ترياق الصحوة نعيش أثرها فى ما نراه اليوم، وإن لم تكن السبب الوحيد. المشهد الآن فى المقال التالى.

يسري فودة يسري فودة مواليد منشية جنزور، بمصر. إعلامي مصري ساهم في تأسيس قناة الجزيرة وكان أحد نجومها البارزين حتى استقال منها في عام 2009. كما قام بتقديم برنامج اخر كلام على قناة اون تى في إلى أن أعلن إيقاف البرنامج في سبتمبر الماضي.. حصل على درجة الماجستير في الصحافة التلفزيونية وعلى دبلوم الإنتاج التلفزيوني في معهد التدريب التابع للتلفزيون الهولندي، وكان أول مصري يقوم بالإشراف على تدريب العاملين في التلفزيون المصري في إطار اتفاقية التعاون بين مؤسسة فريدريش ناومان الاتحادية واتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري. وفي عام 1993م حصل على منحة من المجلس الثقافي البريطاني لدراسة الدكتوراة في جامعتي غلاسكو واستراثكلايد في اسكتلندا وكان موضوع الرسالة الفيلم التسجيلي المقارن ثم انضم إلى تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية لدى إنشائه عام 1994م، واختير كأول مراسل يتحول للشؤون الدولية قام أثناءها بتغطية حرب البوسنة ومسألة الشرق الأوسط. كما عمل أيضاً أثناء هذه الفترة التي امتدت حتى عام 1996م مذيعاً ومنتجاً في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية في برامج الأحداث الجارية، وانتقل بعد ذلك إلى تلفزيون وكالة أنباء أسوشييتد برس حيث شارك في إنشاء قسم الشرق الأوسط. والسي ان ان
التعليقات