نسيم الأمل - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 12:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نسيم الأمل

نشر فى : الخميس 24 مايو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 24 مايو 2012 - 8:00 ص

حسنا فعلت عبلة الروينى بنشرها، فى «أخبار الأدب»، النص الكامل لحيثيات الدعوى الإرعابية، السمجة، المقامة ضد ستة من كبار الفنانين المصريين، ذلك أن هذه الحيثيات الدقيقة، النافذة، العامرة بالفهم، تتجاوز قضية عادل إمام ومن معه، إلى آفاق أبعد وأعمق غورا، وبالتالى تحقق عدة أهداف نبيلة فى آن، فهى، جوهريا، تنصف القضاء المصرى، وتثبت جدارته بالتوقير، خاصة حين يجلس على منصته قضاة من ذوى القامات الكبيرة، الراسخة، لا تهتز بين أيديهم كفتا ميزان العدالة.. وتعطى الصفحات الأولى من الحيثيات نموذجا رفيعا فى البحث والدراسة، عن حرية الرأى والتعبير، اعتمادا على عشرات المراجع القانونية، والمواثيق الدولية، والفقه، والقضايا المماثلة، مع مقارنات، ونماذج دالة، وتبيان دقيق بين الخيط الأبيض والخيط الأسود.. هنا درس ثمين، فى جدية تلمس الأصول، بهدف الوصول إلى معايير العدالة تستحق أن يستوعبها طلبة كليات الحقوق، وكل العاملين فى مجال القانون، وكل مهتم بالشأن العام.

 

لكن ما يثير الإعجاب بحق، طريقة نظر الحيثيات إلى المناطق الفنية التى أغضبت رافع الدعوى، فالقاضى المستنير، المثقف ثقافة رفيعة، يدرك تماما أسس النقد الأدبى، والفنى، فى أجلى معطياته، القائم على تفسير العمل وتقييمه، وعدم اجتزاء بعض مقاطعه وعباراته، واعتبارها هى كل أو لب العمل. بل ينبه القاضى إلى أن هذا «التفسير» قد يكون صحيحا أو مخطئا، يقصده المبدع أو لا يقصده، وبالتالى لا يمكن اعتماد «التفسير» على أنه الحقيقة.. وبحس نقدى سليم ومرهف، تفند الحيثيات عوار دلائل «الازدراء» الواردة فى صحيفة الدعوى الخائبة، ومنها على سبيل المثال استخدام لحن أنشودة أسماء الله الحسنى مع ظهور «الزعيم»، فالحيثيات ترى أن هذا اللحن عمل فنى من صنع البشر، لذا فإنه ليس من الدين فى شىء، وإذا كان قد استخدم فى كلمات أخرى، فإن أول ما يتطرق للذهن «ليس التحقير من أسماء الله بحال، وإنما لخدمة العمل الدرامى فى بيان أن شخصية الزعيم قد أضفت على نفسها قداسة الصفات الإلهية، وهو وصف لكل فرعون اعتبر مصر وخيراتها له هو، وليس لشعبها، فقادته هذه الأثرة وهذا الاستبداد إلى الظلم والطغيان».

 

على هذا المنوال المتفتح، قلبا وعقلا، يواصل القاضى النزيه، قراءة الأعمال السينمائية، محل الخلاف.. وبعد مناقشة مستفيضة لمسألة السخرية والازدراء باللحية والنقاب، يصل إلى نتيجة تقول، بوضوح وشجاعة «إن لباس الرجال والمرأة يخرج عن أن يكون من الأمور التعبدية التى لا تبديل فيها، ومن ثم فلا يجوز إقرانه بالدين وإسباغ القدسية عليه بوصفه جزءا من الدين، إذ إن اللباس واللحية يرتبطان فى حكمهما الشرعى بواقع المجتمع والزمان اللذين يعيش فيهما الفرد».. هكذا، سطور هذا النص، إجمالا وتفصيلا، مكتوبة بوعى يعتمد على ثقافة واسعة، قانونية وتاريخية ودينية، فضلا عن ذوق فنى مرهف، يدرك كنه العمل الإبداعى، يتعامل معه بمبضع الجراح لا بسكين الجزار.. وبالضرورة، وصل إلى حكم عادل ينص على «عدم قبول الدعويين المدنية والجنائية لعدم الجريمة» وإلزام المدعى بالمصروفات وخمسين جنيها أتعاب المحاماة.. لكن الأهم فى تقديرى، أنه ــ الحكم ــ قد يغلق الأبواب على المتنطعين، هواة رفع القضايا. وفى ذات الوقت، يفتح نافذة الأمل والطمأنينة، على مصراعيها.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات