القبور تزدحم - مصطفى النجار - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 5:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القبور تزدحم

نشر فى : الجمعة 23 أغسطس 2013 - 9:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 23 أغسطس 2013 - 11:14 ص

كنا بندبر من قوتنا ونحوش ونستلف عشان نعرف نجوزه أول ما يخلص الخدمة العسكرية بتاعته ويرجع البلد ويرجع يشتغل تانى صنايعى عشان يساعد أبوه فى مصاريف علاجى وتجهيز اخواته البنات اللى داخلين على سن جواز، جالى الكبد من عشر سنين لما دخلت مستشفى حكومى أعمل عملية المرارة وبعدها بكام سنة تعبت ولما عملت تحاليل قالولى عندك فيروس سى.

مكنتش عايزة اتعالج عشان عارفة ان كل اللى بيجيلهم الكبد بيموتوا مهما يتعالجوا، قلت لجوزى وفر فلوس العلاج عشان العيال وانا مش هاخد غير نصيبى واللى ربنا هيكتبه، رفض وصمم انى اتعالج، انا فلاحة ومليش تأمين صحى والعلاج غالى لكن ابنى كان بيشتغل من قبل ما ياخد الدبلوم وبيساعد ابوه عشان ما نمدش ايدينا لحد.

كنا بنستنى يخلص خدمته بفارغ الصبر عشان يرجع يشتغل ويسند ابوه اللى صحته تعبت اوى الفترة الاخيرة ومبقاش قادر يشتغل، والله لما كان بيرجع كام يوم اجازة كان بيجرى يشتغل فيهم وييجى يدينى الفلوس فى ايدى قبل ما يسافر، ابنى مكنش ليه دعوة بأى حاجة فى البلد وعمره ما راح انتخابات ولا رشح حد ولما ابوه كان يقوله تعالى معايا ننتخب كان بيقوله: يا آبا مليش فيه والانتخابات دى مش هتغير حاجة ومحدش من الناس دى هيعملنا حاجة ومفيش حد حاسس بينا أصلا، خلينا فى حالنا أحسن وخلينا بعيد عن الناس دى هما فى بلد واحنا فى بلد تانية!!

أنا مكسورة على ابنى وبدعى على اللى قتلوه وحرمونى منه لكن قولهم يا ابنى كفاية بقى مش عايزة حد يموت تانى، خلوا دم ابنى وصحابه آخر دم، مصر ما تستاهلش مننا كدا وولاد مصر دمهم مش رخيص كدا، ربنا يجبرك يا ابنى ويرضيك ويجمعنى فى الجنة بيك ملناش غيرك يارب ملناش غيرك يا رب!!

●●●

ابنى ملهوش فى السياسة لكن بيحب يصور وكان نفسه يبقى مخرج كبير وكان بينزل ميدان التحرير أيام الثورة عشان يصور الناس وكان بيروح مع صحابه كل شهر يزوروا ناس غلابة وكان بيصور اطفالهم ويطبع لهم الصور دى من غير فلوس ويديهالهم عشان يفرحهم، ابنى يتيم ابوه مات وهو صغير وكان بار بيا اوى ومش بينزل من البيت إلا لما يبوس ايدى ويقولى ادعى لى يا امى، كنت بقوله ما تروحش اعتصام رابعة وما تقربش من هناك كان بيقولى يا ماما ليا صحاب معتصمين هناك انا بزورهم بس وأطمن عليهم.

قلبى كان بيبقى مقبوض اوى لما يروح هناك وما ارتاحش إلا لما يرجع واحمد ربنا، لما سمع إن فى ضرب وانهم عايزين متطوعين فى المستشفى الميدانى نزل يجرى ومعرفتش امنعه كنت حاسة انى مش هشوفه تانى ناديت عليه قلت له خلى المصحف الصغير دا فى جيبك عشان ربنا يحميك.

وراح ابنى وما شفتهوش الا بعدها بيومين، جثة محروقة معرفتوش يا ضنايا إلا من خاتم كان لابسه فى ايده، ابنى اتشوى ومعرفش عملوا فيه كدا ازاى، يرضى ربنا دا؟ دا لو حيوان مش هيقتلوه كدا؟ مين اللى قتل ابنى مين اللى حرقه؟ ذنب ابنى ايه ذنب ابنى ايه، ما تقولوش ليا ايه اللى نزله هناك وليه سبتيه؟ هو انا كان مفروض امنعه انه يكون انسان وشهم يساعد فى انقاذ الناس اللى بتموت؟ حسبى الله ونعم الوكيل قول للى شمتانين فى اللى ماتوا ربنا يحرق قلوبكم، قول للى بيقولوا على ابنى ارهابى هتشوفوه فى ولادكم، انا مش عايزة اعيش فى البلد دى، مش عايزة اعيش مع ناس بتستحل القتل وبتفرح بيه، دم ابنى فى رقبتكم كلكم ومش مسامحاكم ابدا ربنا ينتقم ليا ويبرد نارى!!

●●●

الآن تزدحم القبور، الآن صار امل المصريين الحصول على تصريح بالدفن بعد انتظار طويل ومعاناة قاسية على باب المشرحة، سيارات نقل الموتى المعروفة بسيارات (تحت الطلب) هى أكثر سيارات تتحرك الآن فى شوارع مصر وبين محافظاتها تحمل أرواحا بريئة سقطت مقتولة برصاص أو اختناقا أو حرقا، تعددت الأسباب والموت واحد.

الموت يزحف على كل بيت فى مصر ليمد يده ويختطف روحا جديدة، الدم يتبعه دم ونار الانتقام بدأت تصب لعناتها، لن يختلف المشهد كثيرا حين تحمل طرفا ما المسئولية، لن تتساوى المسئوليات بكل حال وكل له فى الجرم نصيب، ستختلف وجهات النظر وسيظل كل طرف يرى الآخر مجرما يستحق القتل ولكن الحقيقة التى لا خلاف عليها أن الغلابة يدفعون الثمن وزهور الوطن تُسحق والفجر ينزوى والماضى يعود والمستقبل يتوارى

مصر تحترق من يطفئ النار؟!

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات