المباراة: «المرآة»..خواطر متقاطعة - سمير مرقس - بوابة الشروق
السبت 1 يونيو 2024 2:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المباراة: «المرآة»..خواطر متقاطعة

نشر فى : الإثنين 23 نوفمبر 2009 - 10:47 ص | آخر تحديث : الإثنين 23 نوفمبر 2009 - 10:47 ص

 يحظى الشأن الكروى ــ دوما ــ بالاهتمام. فكرة القدم، كما يقولون، هى اللعبة الشعبية الأولى، ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم، ويمكن القول إن الأسابيع الثلاثة الماضية فى حياة المصريين كانت كروية بامتياز، تناسى فيها المصريون همومهم، ووقفوا بحب ــ على اختلافاتهم ــ تحت مظلة العلم المصرى بوطنية مستعادة وراء حلم تحقيق إنجاز كروى يسعدهم...

بداية من الاستعداد لمباراة ختام المجموعة التى ضمت مصر والجزائر، ومرورا بالمباراة التى انتهت بفوز مصر بهدفين ما أدى إلى إقامة مباراة فاصلة فى السودان بعد ثلاثة أيام من المباراة الأولى. وبعيدا عن فنيات المباراة والتى أتركها للناقدين الكرويين الحقيقيين، وعن العنف الذى مورس على أرض السودان تجاه المصريين، وهو أمر غير مقبول قطعا...فإنى أود أن أعير عن مجموعة من الخواطر المتقاطعة والمتداخلة التى عكستها الجلسات الكلامية الهوائية عبر الفضائيات، والتى تخللها سيل من الاتصالات الهاتفية من كل الفئات، وبخاصة بعد المباراة، ما جعلها مثل المرآة ــ المباراة ــ تعكس فى المجمل أحوالنا بدقة...

«كلاميات هوائية»
فمن خلال نقاشات المذيع والضيوف والاتصالات التى تتم، يمكن للمشاهد أن يكتشف ــ دون عناء ــ التوجه العام للبرنامج..فلقد سارت البرامج على وتيرة واحدة، تقريبا..وذلك كما يلى: يبدأ البرنامج فى الاستغاثة بالمسئولين، وكان ذلك فى الساعات الأولى التى تلت المباراة...ثم بشكر المسئولين على استجابتهم بالتدخل وذلك مع صباح اليوم التالى...وبعد هذا الاستهلال يبدأ البرنامج، من خلال مذيعه وضيوفه والاتصالات الهاتفية، فى حديث مرسل يتناول «كل شىء ولا يتناول أى شىء».

يتخلل هذا الحديث المرسل لقطات ميدانية وتعليقات متنوعة...وقد حاولت كمشاهد ــ ومعى ملايين فيما أظن ــ أن أضع يدى بالتحديد عن الهدف مما يعرض هل هو تحديد المسئول عن ما حدث أم ماذا؟!

وأثناء محاولة فهم ما حدث..تجد بعض البرامج تلمح عن مسئولية السودانيين بسخرية ملتبسة.. بيد أنه وما إن جاء الموقف الرسمى شاكرا للسودانيين على ما قاموا به، تجد البرامج التى كانت تلمح عن سلبية السودانيين تغير موقفها متحدثة عن وحدة شعب النيل والشريان الواحد..الخ.

وهو ما حدث مع محاولة بعض الاتجاهات التى حاولت التهدئة مع الجانب الجزائرى من خلال بعض البرامج قبل المباراة نجدها وقد تعرضت لهجوم إعلامى بحجة أن لهذه البرامج مصالح اقتصادية ما ومساهمات مالية من خلال شركات عاملة فى الجزائر...وما إن تم تبنى ــ رسميا ــ موقف ينتقد التهدئة حتى التقت البرامج معا على ذلك بما فيها أنصار التهدئة...

على هذا المنوال سارت البرامج الكلامية الفضائية.. وبالرغم من الصعوبة البالغة التى واجهتها ــ وأتصور كل من شاهد هذه «الكلاميات» ــ فى المسك بقضية محددة يخلص بها من هذه «الكلاميات الهوائية»..فإن المتفرج اللبيب لن يجد صعوبة فى اكتشاف كيف أنه من بين ثنايا كلاميات الهواء الممتدة سوف يجد كيف يحاول المذيع مع ضيوفه تصفية الحساب مع خصومهم...

فعلى الرغم من أن الهدف من امتداد ساعات الهواء لهذه البرامج هو متابعة الموقف إعلاميا، فلا بأس من العبور على ضرورة أن يستقيل اتحاد الكرة وأن ينتهى زمن سمير زاهر بولائمه و«عزوماته»..ولا بأس أيضا، من الحديث عن إقالة الجهاز الفنى الذى لم يقدم شيئا وأن فوزه ببطولتى أفريقيا (2006 و2008) كان ببركة دعاء الوالدين...

خارج النص
وفى خضم ساعات الهواء الممتدة..لا يمنع من أن تجد كلاما مهما يمكن اعتباره من خارج النص بعضه ــ فيما أتصور ــ عفوى وبعضه الآخر مقصود، ولكنه يعين على فهم وكشف المستور...تجد مكالمة هاتفية من أحد المواطنين يطرح سؤالا حازما وبجدية شديدة تجبرك على التأمل والتفكير..

ألا وهو: هل تم أى تنسيق من أى نوع قبل المباراة مع الجهات الأمنية العليا فى مصر حول الظروف التى ستلعب فيها المباراة، هل تم التشاور بشان اختيار السودان للعب المباراة؟!.أسئلة مهمة ومحترمة فى وسط ضجيج الكلاميات، ولكنها تثير أسئلة كثيرة حول اتخاذ القرار فى مصر وعن التنسيق.

ويأتى اتصال آخر لأحد فنانى المرحلة من المغنيين الشعبيين تكرر اتصاله فى أكثر من فضائية، حيث يكشف بعفوية أن من ذهبوا إلى السودان قد سافروا بمنطق الرحلة حيث حملوا معهم «زمزمية» و«جيليكم»..الخ، وكان الأحرى ــ بحسب المغنى ــ أن يسافر الجمهور القادر على التشجيع الكروى الحقيقى..وبالتقاط الكلمات من هنا وهناك على طريقة لعبة الـ«Puzzle»، يدرك المرء أن فى «الأمور أمورا»...

وأتذكر هنا واقعة لا يتذكرها الكثير من الأجيال الحالية، ألا وهى رحلة العبارة إلى تونس فى سنة 1977 التى ضمت الكثير من الفنانين والشخصيات العامة آنذاك لتشجيع فريقنا فى مباراة الإياب أمام تونس، والذى لم يكن يحتاج إلا إلى التعادل بعد أن فاز فى مباراة الذهاب فى مصر 3/2، والذى أحرز فيه الخطيب هدفا عبقريا وتاريخيا غير مسبوق ولم يتكرر بعد، وذلك للتأهل إلى كأس العالم 1978...ولكننا هزمنا 4/1..ودار حديث آنذاك عن رحلة العبارة وألم يكن من الأجدى أن يسافر الجمهور الحقيقى القادر على التشجيع إلى جانب الفنانين والشخصيات العامة..

نفس الحوار ونفس الجدل..لأنه لا يوجد تراكم ولا يتعلم أحد من خبرات الماضى.
ومن ضمن الكلاميات أيضا، يفلت بعض الكلام الجاد الذى أعتبره خارج النص الكلامى الهوائى العام..فيتكلم أحدهم عن الدور السيئ الذى لعبه الإعلام فى تأجيج المشاعر من خلال نشر الأخبار غير الصحيحة. وهنا لابد من أن يستحضر المرء واقعنا بشتى مجالاته حيث تلعب كثير من وسائل الإعلام دورا فى تأجيج الكثير من العلاقات فى الداخل المصرى.

الوطنية الشاملة
واقع الحال لقد عكست المباراة من خلال النقاشات الممتدة التى تلتها عبر البرامج الرياضية فى الفضائيات الكثير والكثير، الذى يعكس الكثير من أحوالنا.. فكانت المباراة وتداعياتها أقرب إلى المرآة التى ترينا كيف نفكر وكيف نخطط وكيف نتعامل مع المواقف التى تتجاوز الخاص إلى العام.. كما تعكس خطابنا الفكرى واللغة السائدة التى يتم فيها استدعاء مفردات لا تليق.. تتيح الدعوة من قبل البعض على البعض الآخر بدعوات من عينة «قلة الراحة وألا يوردوا على جنة»...الخ..

ويلاحظ هنا أن الإعلانات عن السلع ــ التى فى مجملها استهلاكية ــ كانت هى المشترك الوحيد بين هذه البرامج التى لم تتأثر بأى شىء.

لا مانع أيضا أن يعطى الكباتن أنفسهم الحق فى الحديث عن السياسة وعن العلاقات التاريخية السياسية والاستراتيجية المستقبلية بين البلدان.. تماما مثلما يعطى الدعاة (بألوانهم) أنفسهم الحديث فى علم الاجتماع والسياسة.. وهكذا تختلط الأشياء.

ولا يفوتنى أن أشير فى هذا المقام، إلى الحديث الذى تبناه البعض من الإعلاميين الرسميين حول رصد ظاهرة حماس المصريين ووطنيتهم وأن هذا غير غريب على المصريين فى أوقات الشدة.. ولا يسأل أحد نفسه لماذا لا يكون هذا هو السلوك الطبيعى الذى يجب أن نكون كلنا عليه فى كل الأوقات.. ولماذا لا تكون التعبئة الوطنية مستمرة ودائمة... أليست الفرصة سانحة أن نبنى على هذا المسلك من خلال برامج إعلامية مستمرة من أجل وطنية شاملة تدعم الكرة والعلم والمعرفة والتقدم...

وبعد إنها مجرد خواطر وردت على خاطرى من متابعة صامتة ــ حزينة بعض الشيء، مثل كثير من المصريين.. بيد أن الحزن يعنى ــ بحسب الأديب البرازيلى كويلهو ــ أن الروح لم تزل حية.

التعليقات