زيارة أخيرة للانتخابات - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 28 مايو 2024 11:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

زيارة أخيرة للانتخابات

نشر فى : الخميس 23 ديسمبر 2010 - 11:01 ص | آخر تحديث : الخميس 23 ديسمبر 2010 - 11:01 ص

 التأم عِقد مجلس الشعب بعد أن توقع له البعض أن ينفرط، وما كان هذا ليحدث لأنه إن حدث يعنى أن «الاكتساح» الذى يعتز به الحزب الوطنى للانتخابات الأخيرة قد بنى على باطل، ومع ذلك فثمة اعتقاد بأن كل شىء ليس هادئا فى ساحة السياسة المصرية، وأن قصة الانتخابات لم تتم فصولا، وقد تكون لها تداعيات خطيرة، أو على الأقل مهمة، على السياسة المصرية إن عاجلا أو آجلا.

ولم يعد ثمة جديد فى الحديث عن تزوير الانتخابات أو مخالفات جسيمة شابت إجراءها، إذ قال الجميع كل ما عندهم، ولست للأسف شاهد عيان على ما وقع كونى أمتلك بطاقة انتخابية ضلت طريقها إلى كل اللجان المحتملة عبر السنين، وهو حال غيرى الذى كنت شاهدا عليه عندما شرفت بمراقبة انتخابات 2005 أثناء عضويتى بمجلس حقوق الإنسان. ولا أدرى حقيقة إن كان هؤلاء الغير يقدرون بعشرات أم مئات الآلاف أم بالملايين. والمهم أن هذا الوضع قد تكرر على نحو يكفى للشعور بالاغتراب السياسى، ومن ثم العزوف عن المشاركة فى أى انتخابات.

وعلى أى حال فإن ثمة اعترافا من دوائر الحزب الوطنى بأن تجاوزات قد وقعت، لكن الحزب بلور فى هذا الصدد وجهة نظر متكاملة ثلاثية الأبعاد.

أما البعد الأول فهو أن تلك التجاوزات لا تمثل مساسا بجوهر العملية الانتخابية، والثانى أن سوء أداء المعارضة فى الانتخابات الأخيرة يتسق مع أدائها السابق فى الانتخابات الماضية التى لم يشذ وضع المعارضة فيها كثيرا عن وضعها فى الانتخابات الأخيرة، مع استثناء جماعة الإخوان المسلمين. ذلك أن هذه الجماعة ــ وهذا هو البعد الثالث لنظرية الحزب الوطنى ــ قد حققت ما حققته من نتائج فى الانتخابات الماضية فى غفلة من الزمن، وأنها قد كُشفت سياسيا لأنها لم تقدم شيئا فى المجلس السابق، أما الحزب الوطنى فقد أصلح من أمره، ودخل الانتخابات الأخيرة بقدرة تنظيمية راقية وإنجازات لا تبارى نتج عنهما اكتساحه الانتخابات فى مقابل تراجع الجماعة وغيرها.

يحتاج ما سبق دون شك إلى إمعان نظر، والملاحظة الأولى تتعلق بالحكم على ما إذا كانت التجاوزات المعترف بها من الجميع تمثل مساسا جوهريا بالعملية الانتخابية من عدمه، فما هى نسبة التجاوزات المسموح بها يا ترى؟ وهل يعد تجاهل الأحكام القاطعة للقضاء الإدارى من قبيل التجاوزات المقبولة؟ بل هل يجوز قانونا للجنة العليا للانتخابات أن تتجاهل هذه الأحكام أصلا؟

وماذا لو أن هذا التجاهل قد فتح الطريق لعملية معقدة تنتهى بالحكم بعدم دستورية المجلس بعد أن يكون قد اضطلع بمهامٍ جوهرية كالترشيح لخوض الانتخابات الرئاسية؟ وأى معضلة دستورية سوف نجد أنفسنا غارقين فيها فى هذه الحالة؟ وذلك كله بالإضافة إلى ما يفضى إليه هذا التجاهل من اقتناع لدى المواطنين بأن المجلس قد بنى على ممارسات لا تتسق وصحيح القانون.

تتعلق الملاحظة الثانية بما يقال عن أن النتائج الهزيلة التى حققتها المعارضة فى الانتخابات الأخيرة تتسق وسجلها فى الانتخابات السابقة، والواقع أن الأمر يمكن بسهولة أن يُفهم بطريقة أخرى. صحيح أن كثيرا من أحزاب المعارضة يعانى من ضعف بالغ، غير أنها ليست كلها كذلك بالتأكيد، وماذا لو كانت النتائج الهزيلة لأحزاب المعارضة القوية تعود أساسا إلى التضييق عليها حتى لا تتجاوز «الخطوط الحمراء»؟ وأحد القرائن فى هذا الصدد أن أحزابا لم يسمع بها إلا مؤسسوها قد فازت بمقاعد فى المجلس الأخير كما سبق وأن حدث فى انتخابات مجلس الشورى الأخيرة التى يحتاج المرشح للفوز فيها إلى عدد من الأصوات ربما يفوق بمائتى أو ثلاثمائة مثل عدد العضوية الفعلية فى هذه الأحزاب، الأمر الذى يخلق الانطباع بأن هناك تقسيما للكعكة تحصل فيه الأحزاب «المنضبطة» على نصيب بالغ الضآلة لكنه يفوق أقصى أحلامها.

ترتبط الملاحظة الثالثة بجماعة الإخوان المسلمين وما يقال عن انكشافها أمام الشارع السياسى، ومن ثم خذلانه لها، وهى ملاحظة تتطلب لصحتها أن ينتخب ممثلو الجماعة من قبل الناخبين العاديين، وهو أمر قد يحدث ولكن فى حدود. أما القاعدة الانتخابية للإخوان فتأتى أساسا من أعضاء الجماعة «المنظمين» ومن أصدقائها والمتعاطفين معها، ولن يتأثر هؤلاء بطبيعة الحال بتهمة «الانكشاف السياسى» هذه.

والواقع أن وضع جماعة «الإخوان المسلمين» فى النظام سوف يبقى مصدرا لمعضلة حقيقية طالما أن فكرة الحزب الدينى غير مقبولة، ولذلك فإن الحل الوحيد لهذه المعضلة فى الأمد المنظور هو انتخابات حرة سوف تُدخل عددا منهم إلى البرلمان، وبدلا من أن يستخدم الحزب الوطنى وسائل «غير سياسية» لدرء هذا الاحتمال يتعين عليه أن يطور أداءه تنظيميا وسياسيا كى يتمكن دائما بالوسائل الديمقراطية من أن يلعب دور حزب الأغلبية. والواقع أن هذه المسألة تحتاج وقفة.

يبدو الحزب الوطنى سعيدا بما يقوله عن تطوير أدائه تنظيميا فيما بين الانتخابات الأخيرة والانتخابات السابقة عليها، ولا يفهم المواطن العادى كنه هذا التطوير، ففكرة المجمعات الانتخابية قد سقطت وإن لعبت دورا غامضا فى استبعاد مرشحين ذوى مكانة كالدكتور أحمد الجويلى، وبعد أن سقطت الفكرة فتح عديد من الدوائر أمام أكثر من مرشح من مرشحى الحزب، واعتبر أنصاره أن هذا فتحا فى إدارة العملية الانتخابية استنادا إلى منطق «أمطرى أنى شئت فسوف يأتينى خراجك»، إذ سينجح مرشحو الحزب الوطنى فى الدائرة الواحدة فى استقطاب غالبية الأصوات وحرمان المنافسين منها، وإذا لم يفز أحدهم فى الجولة الأولى فإن فوز مرشح للحزب فى جولة الإعادة يصبح أكيدا، لكن ما حدث هو العكس، وقد كان ذلك متوقعا على أى حال، فلقد تقاتل مرشحو الحزب فيما بينهم، ومدوا خطوط تحالفاتهم الانتخابية خارج الحزب، وأدى هذا الأسلوب غير المسبوق إلى أن يفقد الحزب قيادات برلمانية بقامة الدكتور مصطفى السعيد وخبرته، خاصة وقد أطلق عليه سلاح المال بشراسة.

والواقع أنه يصعب الاعتقاد بأن الحزب لم يكن واعيا بتداعيات فتح الدوائر على النحو الذى تم، مما يشير إلى نية مبيتة فى التخلص من عدد من القيادات الحزبية التى لم تستطع أن تدمن الموافقة على أى تصرف يقدم عليه الحزب. ويبقى فى الأخير أن أسلوب فتح الدوائر كان ممارسة غير مسبوقة فى الخبرات الحزبية، ودليلا على ضعف تنظيمى بِّين وليس كما قيل على تطوير فى الأداء التنظيمى.

يندهش الكثيرون من «تعاظم» قوة الحزب فى الانتخابات الأخيرة إلى حد اكتساحها على الرغم مما يعانيه المواطنون من أزمات متلاحقة تطول جميع أبعاد حياتهم اليومية، وهو اكتساح قد يدرك الحزب لاحقا مدى الخطأ الذى وقع فيه عندما يجد نفسه مسئولا وحده عن أزمات طاحنة تعصف بالوطن لا قدر الله. ويندهش المتخصصون من الزهو المبالغ فيه بهذا الاكتساح مع أن المعرفة النظرية والخبرة العملية تؤكد أن أحد مؤشرات نجاح أى عملية ديمقراطية هو قدرتها على إفراز تنوع سياسى حقيقى يعكس الخريطة السياسية الواقعية فى المجتمع، ويجعل من مؤسساته السياسية كيانات فاعلة قادرة على اتخاذ القرارات السليمة، فهل ينظر الحزب الوطنى فى نفسه محاولا تعديل سلوكه قبل فوات الأوان؟ أم أن زهو «الاكتساح» سوف يبقى غلابا؟

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية