الإنسان ذلك المعلوم مخلوق من التراب وليس من الذهب «2» - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم مخلوق من التراب وليس من الذهب «2»

نشر فى : الجمعة 24 يناير 2014 - 4:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 يناير 2014 - 4:00 ص

• ماذا كان الإنسان قبل أن يخلقه الله؟

قبل أن يخلق الله الإنسان «لَمْ يَكُن شَيْئا مَّذْكُورا» الإنسان (1)

ويزيد القرآن توضيحا فيقول «...وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئا» مريم (9)، وتحكى سورة الكهف حوارا بين مؤمن وكافر فيقول المؤمن للكافر «... أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا» الكهف (37)

(1)

فما المقصود من ذكر هذا الأصل «الترابى» للإنسان؟

1- هل قصد القرآن إعلام الإنسان بأصله الترابى فلا يستعلى على الآخرين؟!

2- أم قصد القرآن إعلام الإنسان بأنه صالح للإنبات والإعمار والتكوين؟!

3- ربما قصد القرآن تنبيه الإنسان بأنه يدوس بقدمه وحذائه على مصدر وجوده، فليحذر وليراجع نفسه.

4- ربما قصد القرآن تحذير الإنسان من نسيان نفسه فيحتقر أى مخلوق، فهل يتصور أحد أن التراب يحتقر التراب؟ أو أن التراب يتكبر على تراب مثله؟!

لقد فهم أبو العلاء المعرى شيئا من حكمة «الخلق من تراب» إذ فهم ضرورة تواضع الإنسان وعدم تكبره فى حياته على الأرض، فلو تكبر لكان متكبرا على نفسه وعلى آبائه وأجداده، فقال أبو العلاء:

صاح هذه قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد؟

خفف الوطأ ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد

وقبيح بنا وإن بعد العهد هوان الآباء والأجداد

كذلك فقد لمحت «رابعة العدوية» «معنى التراب» ففهمت أن الإنسان لا يجوز له أن يعبأ بزينة الدنيا من (سلطة وسلطان، ومال وعتاد، وخدم وحشم، وملوك وأمراء)، فكل هذه الزينة متاع قليل وأعراض زائلة، فلذلك دعت رابعة العدوية ربها قائلة:

فليت الذى بينى وبينك عامر وبينى وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذى فوق التراب تراب

فالأرض بنت التراب وأمه، والنبات والحيوان من التراب، بل والإنسان ذاته من تراب

(2)

إذا لم تصدق أيها الإنسان أنك من تراب، فقم بزيارة سريعة للقبور، وابحث عن أجساد الذين دفنتهم من قبل، فسوف لا تجد إلا التراب، فقد رجع الإنسان إلى أصله. فكما بدأ خلقه من تراب، انتهى أمره إلى التراب: هكذا كل المنشآت تنشأ وترتفع من التراب، فإذا جاء أجلها عادت ترابا كما بدأت.

هل تقرأ معى الآن «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ...» طه (55)

وإذا كان التراب كما نراه ينبت الأزهار والثمار متعددة المنافع فماذا تنتج أنت أيها الإنسان؟!

هل تستحق أن تكون ترابا وأنت لا تنجز ما ينجزه التراب!!

ثم ها هو التراب يلين فى يد صانعه فينبت له طعامه ويخرج له كساءه، كما يساعده فى إنشاء مسكنه ومأواه، فلماذا يقدر التراب على الإعمار والستر والتجديد والإيواء وأنت لا تقدر على شيء من ذلك؟

(3)

وإذا أدرك الإنسان «حقيقته الترابية» فقد أتقن التعرف على ذاته، وإذا تعرف على ذاته اكتشف أنها مثل جميع الذوات «من تراب».

• فتراه إذا عرف نفسه، يعبد «ربه الأعلى» ويسبح بحمده ويرجو جنته ويخشى غضبه.

• وتراه متواضعا لجميع البشر فهو منهم، وجميعهم أصلهم التراب.

• كما تراه يجاهد نفسه ليحرضها على الإنتاج والإبداع والانتظام فى فعل الخير.

فلا يصح أن يكون التراب المجرد نافعا، والإنسان المكرم لا نفع فيه...

فيا أيها الإنسان ابحث لنفسك عن مكانة تليق بك:

1- إما أن تكون منتجا معمرا مصلحا مثل أمك «الأرض» التى أنجبتك ومثل جدك «التراب»

2- أو تكون «كومة» من التراب يزدريها الناس ويبتعدون عنها لما عشش بداخلها من أمراض نفسية وعقلية تتزايد أضرارها

3- أو تكون ترابا لا ينبت زرعا ولا يقيم سكنا ولا يصلح إلا أن يدوسه الناس كما يدوسون التراب، وربما رشوه بالمياه لمنع الأذى المتصاعد من غباره، فـ «يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» الانفطار (6)... لماذا تجرأت عليه إفسادا فى الأرض وأذى للعباد وإهدارا لنفسك حيث لا تعمل عملا صالحا يضيف إعمارا ويزيل فسادا؟؟ كما أنك لا تبادر إلى إصلاح ما اقترفت يداك من الشرور...جمال قطب

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات