أردوغان وتركيا وحلم الزعامة - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أردوغان وتركيا وحلم الزعامة

نشر فى : الإثنين 24 أبريل 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 24 أبريل 2017 - 9:50 م

جاءت نتيجة الاستفتاء الأخير فى تركيا لتحويل النظام البرلمانى الحالى إلى نظام رئاسى تتجمع فيه معظم السلطات، ليكشف حجم الأزمة والانقسام الذى يعيشه المجتمع التركى بعد خمسة عشر عاما من حكم أردوغان. وإذا كانت معظم التحليلات والكتابات قد ركزت على شخص أردوغان وطموحه الشخصى فى تفسير ما حدث، إلا أن ذلك لا يفسر الصورة كاملة. وعليه، فعلينا ان نفهم كيف كان طموح أردوغان فى الزعامة داخليا وخارجيا منسجما مع تطلع الأتراك لأن تحتل بلادهم مكانتها الدولية السابقة، وكيف بات أردوغان اليوم لا يعبر عن هذا الشعور الوطنى بتحوله لتدعيم زعامته الشخصية فى المقام الأول، وهو ما أسفر عن نتيجة الاستفتاء هذه المشكوك فى شرعيتها.

بداية أود أن أشير إلى ما لمسته بنفسى بعد نحو عامين ونصف العام من عملى كسفير لمصر فى أنقرة من سبتمبر ٢٠٠٧ إلى مارس ٢٠١٠. كان أول ما لفت نظرى هذا الشعور بالهزيمة فى الحرب العالمية الأولى وكأننا مازلنا نعيش أحداث الأمس القريب، وليس أحداثا مر عليها تسعة عقود. يرتبط بهذا الشعور شعور أقوى بفقدان الإمبراطورية، بما فى ذلك مصر التى تعد جوهرة التاج. الظاهرة الثانية والتى ترتبط بالأولى، كانت الرغبة الدفينة والاحتياج الشديد من جانب النخبة التركية، إسلامية كانت أم علمانية، فى الحصول على اعتراف أوروبا بهم كأنداد لهم يتم التعامل معهم على قدم المساواة. وكان الكثير من الأتراك الذين قابلتهم يشعرون بالغضب والإحباط جراء عدم قبولهم فى الاتحاد الأوروبى ولا يتفهمون أسباب ذلك.

قدم أحمد داوود أوغلو الإجابة التى كانت النخبة التركية تتطلع إليها من خلال كتابه (العمق الإستراتيجى) والذى لفت الأنظار إليه. من المعروف أن أوغلو دعا إلى «تصفير المشكلات» مع الدول المتاخمة لتركيا، ويعود إليه الفضل كمستشار لأردوغان للشئون الخارجية، ثم وزيرا للخارجية قبل أن يصبح رئيسا للوزراء، فى تصعيد دور تركيا الإقليمى. إلا أن نظرية أوغلو الرئيسية لم تكن «تصفير المشكلات» كما اشتهر بها وسط المثقفين، فهذه ما كانت إلا الوسيلة لتحقيق الهدف الأكبر. هذا الهدف الأكبر لم يكن مجرد طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، لأن تركيا من وجهة نظره كانت أكبر من ذلك ولن تنتظر رد الاتحاد عليها. كان يرى أن على تركيا أن تدرك إمكانياتها الحقيقية والتى تؤهلها لأن تلعب دورا قياديا فى محيطها الإقليمى والدولى. فتركيا يجب أن لا تقنع بدور تابع أو ثانوى كعضو فى حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبى مثلها مثل أى دولة أخرى صغيرة أو متوسطة تتبع ما تمليه واشنطن أو بروكسل. بمعنى آخر أن على تركيا أن تقود العالم الإسلامى، وهو الأمر الذى دفع العديد من المراقبين إلى وصف ما تقدم بـ«العثمانية الجديدة».
يجب أن نشير هنا إلى أن داوود أوغلو «الإسلامى» لم يكن أول من دعا إلى تعظيم دور تركيا، فقد انتهز الرئيس التركى الأسبق «العلمانى» تورجت أوزال ( ١٩٨٩ــ١٩٩٣) فرصة انهيار الاتحاد السوفيتى وانفصال الجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى للدعوة إلى إنشاء تجمع للدول ذات الأصول التركية (كازاخستان ــ أذربيجان ــ تركمنستان ــ أوزبكستان). ولكن لم يكتب لهذا المشروع النجاح لأسباب عديدة ليس هنا مجال ذكرها، ولكن الحلم التركى فى الزعامة والقيادة الذى توارى أيام أتاتورك عاد ليظهر من جديد وبشكل متواضع مع تورجوت أوزال.

وعليه وبناء على ما تقدم، فمع النجاح الذى حققه أردوغان لتركيا ــ اقتصاديا وسياسيا ــ فى السنوات العشر الأولى من حكمه، كانت هناك رغبة عارمة ــ من أردوغان وحزبه ومجمل الأتراك ــ فى ترجمة هذا النجاح إلى نفوذ جديد لتركيا فى محيطها الإقليمى والإسلامى. وكانت القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلى على غزة فى ديسمبر عام ٢٠٠٨ الظرف التاريخى الذى ينتظره كل من أردوغان وأوغلو لممارسة تركيا لدورها الجديد فى زعامة المنطقة. ونتذكر جميعا الواقعة الشهيرة التى حدثت فى إحدى جلسات المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس بسويسرا فى يناير ٢٠٠٩، عندما انسحب أردوغان غاضبا بعد رفض رئيس الجلسة إعطاءه وقتا إضافيا للرد على شيمون بيريز. وقد أشادت وسائل الإعلام العربية بموقف أردوغان هذا وارتفعت شعبيته بين الجماهير العربية إلى عنان السماء. أما فى تركيا، فقد تم استقباله فى مطار إسطنبول استقبال الفاتحين. وقد هالنى بعد ذلك ما كان لهذه الواقعة من تأثير على أردوغان من ناحية، ومن ناحية أخرى على النخبة المؤيدة له. وقد تجلى ذلك لى بوضوح حين سؤلت أكثر من مرة أيهما له شعبية أكبر، عبدالناصر أم أردوغان؟!

كانت حادثة دافوس هذه نقطة تحول رئيسية فى شخصية أردوغان ومريديه الشخصيين، والبذرة التى نمت مع مرور الوقت وتضخمت حول قيادة أو زعامة أردوغان. وبدأ لأول مرة إطلاق لقب «الفاتح» عليه، وهو اللقب الذى كان يطلق فقط على السلطان محمد الثانى الذى فتح القسطنطينية فى عام ١٤٥٣. كما بدأ وضع صور أردوغان بجانب صور أتاتورك وبنفس الحجم، ولم يخف المعنى على أحد. وأصبح الزعيم أردوغان عمليا «الزعيم الأوحد» بعد أن بات واضحا الفتور فى العلاقة مع شريكه السابق وصنوه عبدالله جول، والذى تم استبعاده بالتدريج عن الساحة السياسية حتى انسحب من المشهد. أما داوود أوغلو، مفكر الحزب والذى منح الشرعية الفكرية لدور تركيا المتصاعد تحت زعامة أردوغان، فقد تم تنحيته بعد أن ذاع صيته كسياسى ودبلوماسى محنك بعد صفقة تركيا مع الاتحاد الأوروبى بشأن اللاجئين السوريين، وانسحب بدوره من المشهد. ولا شك أن محاولة الانقلاب الفاشلة فى يوليو الماضى كانت أيضا نقطة تحول أخرى فى حياة أردوغان وتركيا. إذ فسر أردوغان أن معارضة الشعب للانقلاب كانت بسبب شعبيته وزعامته الشخصية، فى حين كان وقوف أحزاب المعارضة والأكراد وحتى النخبة العلمانية ضد الانقلاب من أجل الديمقراطية ودفاعا عنها.

النتيجة أنه من كان يؤيد زعامة أردوغان باعتبار أن ذلك يحقق زعامة تركيا، خاصة من النخبة العلمانية وبعض التيارات الإسلامية الأخرى والعديد من الشرائح الاجتماعية المختلفة، أصبح يتخوف أكثر من طموح أردوغان ونزعته الفردية المتزايدة وتأثير ذلك على حقوقه الديمقراطية. فكان هذا الانقسام والاستقطاب الحاد والذى يلقى بظلاله على دور تركيا الدولى والإقليمى وحلم شعبها فى استعادة مجده السابق.

التعليقات