المنصة الإفريقية للتجارة الإلكترونية - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 12:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المنصة الإفريقية للتجارة الإلكترونية

نشر فى : الجمعة 24 أبريل 2020 - 10:00 م | آخر تحديث : الجمعة 24 أبريل 2020 - 10:00 م

استكمالا لمقالاتى الأخيرة عن منطقة التجارة الحرة القارية والمعلومات كعملة جديدة للتجارة، ارتأيت كتابة هذا المقال لبيان مدى أهمية أن يكون للقارة الإفريقية منصة خاصة بها للتجارة الإلكترونية لتفعيل منطقة التجارة وأن يكون مصر مقرها الرئيسى لما تتمتع به من مركز متميز ومؤهلات تفوق أى دولة إفريقية. وللتذكرة كان قد تم التوقيع على منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية وتأسيسها فى عام 2018. ومع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ فى 30 مايو 2019، كان من المتوقع وقبل فرض الحظر بسبب فيروس الكورونا، إعلان تشغيلها فى مايو 2020 بعد إتمام المفاوضات حول جداول التنازلات فى التجارة فى مجال السلع والخدمات والانتهاء من الاتفاق على قواعد منشأ موحدة والتى تدخل ضمن موضوعات المرحلة الأولى من المفاوضات.
وتأسست منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية على خمسة أعمدة رئيسية أو ما يُعرف بآليات التشغيل ضمانا لتفعيل المنطقة وإنجاحها. وتتمثل هذه الآليات فى: قواعد منشأ موحدة، سكرتارية خاصة للمنطقة تعمل بقدر من الاستقلالية عن الاتحاد الإفريقى مقرها فى غانا وتم اختيار رئيس لها من جنوب إفريقيا، آلية إلكترونية لرصد وإزالة الحواجز غير التعريفية، نظام جديد للمدفوعات الرقمية خاص بالدول الأفريقية ومرصد للتجارة الإلكترونية الإفريقية. وإن دلت هذه الآليات على شىء، فإنها تدل على الأولوية التى تعطيها الدول الإفريقية للإسراع بالتحول الرقمى لاقتصاداتها والارتقاء الإلكترونى فى معاملاتها من خلال إقامة مرصد لتجارتها البينية ونظام إلكترونى لتسوية المدفوعات.
وقام السيد رئيس الجمهورية فى العام الماضى بصفته رئيس الاتحاد الإفريقى حينئذ بتولية اهتمام خاص للعمل على أن يصاحب إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية تطور فى المجال الإلكترونى والتحول الرقمى، وحرص على التوقيع بالتوازى على وثيقة إنشاء وتشغيل مرصد التجارة الإفريقية كأحد الإنجازات الرئيسية التى أطلقتها القمة الاستثنائية المنعقدة فى يوليو 2019 فى نيامى بالنيجر. وسيكون هذا المرصد عند اكتماله بمثابة مستودع هائل للبيانات التجارية والإحصائيات والمعلومات والقواعد والقوانين، التى تصدرها الدول الإفريقية فى مختلف المجالات المتصلة بالتجارة تحفيزا للتجارة الإلكترونية.
وعلى صعيد آخر، وفى ضوء الاهتمام المتزايد بالتعامل عبر التواصل الإلكترونى سواء بالنسبة للتجارة أو المدفوعات أو تبادل المعلومات حول القواعد والقوانين بشفافية، يسعى القطاع الخاص الإفريقى هو الآخر بالتعاون مع الاتحاد الإفريقى وللاستفادة من الأفضليات المتبادلة فى إطار منطقة التجارة الحرة القارية إلى إنشاء ما يُعرف بالمنصة الإفريقية للتجارة الإلكترونية، التى من شأنها العمل على تجميع وتخزين وتبويب البيانات الإفريقية داخل القارة وبأيدٍ إفريقية والحفاظ على تأمين تلك البيانات، وهو مجال جديد لم تخترقه دول القارة بعد ويتطلب بناء بنية تحتية إفريقية متكاملة تربط الدول الإفريقية لتيسير التبادل الإلكترونى فيما بينها. وهى لا شك مبادرة تستحق كل الفخر. وبالتأكيد سوف تسهم هذه المنصة فى تحقيق الريادة للاقتصاد الرقمى الإفريقى ودعم التجارة البينية باستخدام تكنولوجيا المعلومات كأداة لتيسير التجارة.
***
فإن أحد الأسباب التى تصاغ لانخفاض معدلات التبادل التجارى فيما بين الدول الإفريقية إلى أدنى مستوى على الإطلاق هو افتقار القارة إلى البيانات والإحصائيات والمعلومات، التى من شأنها تعزيز التجارة بين دول القارة سواء فى مجال تجارة السلع والخدمات أو دعم التكامل الاقتصادى. ففى حين لا يتعدى معدّل التبادل التجارى بين الدول الرفريقية الـ12%، تصل هذه المعدلات بين مناطق التجارة الحرة للدول الأوروبية والآسيوية وأمريكا اللاتينية 70 و45 و27% على التوالى. ومن المنتظر أن تعمل هذه المنصة على تعويض الدول الإفريقية نقص المعلومات وتضييق الفجوة فى معاملاتها.
وإنى على قناعة تامة، أنه لن يكتب النجاح لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، إن لم تستكمل مؤسساتها وتعمل على تطويرها بما يتسق وعصر التكنولوجيا التى نعيش فيه. فالدول الإفريقية لا يمكنها التهاون أو التغاضى عن إقامة منصة للتجارة الإلكترونية تتسم بالشفافية وتشمل المعلومات الضرورية لتعزيز التواصل بين حكوماتها وقطاعاتها الخاصة. ومن الضرورى أن تكتسب هذه المنصة ثقة الدول الإفريقية فى إيداع ومشاركة بعضها البعض فى المعلومات والإحصائيات اللازمة ورصد معدلات التبادل التجارى فى السلع والخدمات فيما بينها، وكذا رصد للاستثمارات الإفريقية والمشروعات الأساسية وسلاسل الإنتاج والتوريد وغيرها من الموضوعات التى تضمن التكامل الإفريقى. وستصبح منصة التجارة الإلكترونية الإفريقية المفعّل والمشغّل الرئيسى لمنطقة التجارة الحرة أى الدينامو وراء إنجاح المنطقة من عدمه، حيث ستوفر بيانات محدثة وموثقة ورصد لعمليات تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية وتداعياتها.
وباعتبارها مصدرا للمعلومات التجارية والسوقية الإفريقية سوف تساعد هذه المنصة أيضا الشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر المنتشرة بالقارة الإفريقية على خفض المخاطر وتدريب العاملين بها على استخدام تكنولوجيا المعلومات كإحدى آليات تيسير التجارة وإعلامهم بالأفضليات التى تم التفاوض عليها والمتاحة بين دولهم، مما يسهم فى إدماج هذه الشركات فى الاقتصاد الإفريقى ويعود عليها بالنفع والمصلحة وبما يسهم فى خلق وظائف جديدة، لا سيما للشباب والمرأة.
كما يتعين على هذه المنصة أيضا تدريب مسجلى البيانات فى القطاعين الحكومى والخاص على تدوين البيانات بدقة وبشفافية مطلقة وتدريب واضعى السياسات ورجال الأعمال على تحليل واستخدام البيانات التجارية. وسوف تساهم فى زيادة عدد العاملين فى المجال الإلكترونى والمعلوماتية. وسيتولى هؤلاء مهام متعددة من بينها تجميع المعلومات على المستويات الإقليمية ومستوى القارة، وتقديم الاستشارات فى مجالات مختلفة منها الأطر التنظيمية للدول الإفريقية ومراقبة أعمال الشركات المسجّلة وتقييمها بصفة دورية ضمانا لتيسير التجارة فيما بينها على أسس سليمة. بالإضافة إلى مهام أخرى عديدة، خاصة أن التجارة الإلكترونية قد تصل إلى 90% من حجم التجارة الكلية خلال فترة العشر سنوات القادمة.
***
وتتنافس الدول الإفريقية وعلى رأسها مصر والمغرب والسنغال وغانا وكينيا لاستضافة مقر منصة التجارة الإلكترونية، التى ستعمل كهمزة وصل بين الحكومات والقطاع الخاص الإفريقى وإشراك رجال الأعمال مع الحكومات لبناء الثقة فيما بينهما. هذا، وإن الاتحاد الإفريقى بصدد تقييم الدول التى لديها الإمكانيات والقدرة التكنولوجية لهذه الاستضافة. ولا شك أن مصر بما لديها من إمكانيات هى دون منازع أفضل الدول الإفريقية المؤهلة لاستضافة مقر منصة التجارة الإلكترونية.
وما من شك أن مشروع المنصة سيُحدث نقلة نوعية فى تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمى وستجنى الدولة المضيفة فوائد جمة من وراء استضافتها للمنصة، حيث تصبح بمثابة البوابة الرئيسية للنقلة الرقمية للاقتصاديات الإفريقية والخدمات الإلكترونية للقارة ككل، سواء كان ذلك بالنسبة للتجارة أو المدفوعات الإلكترونية وجعلها أساس التحول والارتقاء إلى مستويات أسمى ونقطة جذب للخوادم الدولية والإقليمية. ويتعين على الدولة المضيفة الارتقاء بالأجهزة الأمنية لتمنع وصول القراصنة ومخربى الإنترنت إلى الخوادم وتوفير التكنولوجيا اللازمة لنظم المراقبة بالكاميرات الرقمية ومراقبة البنية التحتية للمنشآت.
وإذا ما حظيت مصر باستضافة المنصة، فإنها لا شك تقدم موقعا متميزا لشبكة الاتصالات العالمية، حيث تربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة، ويعتبر موقع مصر المتميز ركيزة مثالية للوصول إلى إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا. وتمكين مصر من الاستفادة بما لديها من خبرات ذات مؤهلات عالية لتدريب الكوادر الإفريقية وتأهيل الكوادر الشابة على أحدث مجالات التكنولوجيا فى قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات.
وحيث إن قارتنا الحبيبة فى طور تدشين العصر الرقمى بالجهد الذاتى وتضامن جميع دولنا وشعوبنا، دعونا نتحمل مسئولية التصرف دون تباطؤ بحكمة وبحزم لضمان امتلاك إفريقيا لبياناتها، وتخزين بياناتها وتأمينها لتحفيز التنمية والابتكار، وبما يعمل على تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية بفعالية وقوة. وعلينا أن نستغل فرصة الحظر بسبب وباء كورونا ــ سواء كانت طويلة أو قصيرة ــ للتفكير مليا فى هذا الموضوع، حتى لا تضيع هباء.

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات