عوائق تجديد الخطاب الديني.. 20ــ تخلف دراسة لغة القرآن - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عوائق تجديد الخطاب الديني.. 20ــ تخلف دراسة لغة القرآن

نشر فى : الجمعة 24 يونيو 2016 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 24 يونيو 2016 - 8:35 م
ــ1ــ

لا يتسع هذا المكان لأكثر من الإشارة السريعة وضرب المثل، ونحن نزعم أن تخلف الدراسة اللغوية للقرآن يشكل عائقا شديدا يحول دون تنقية الخطاب وتجريده مما لحق به من «أوهام» توهمها المتسرعون، وما اقترن به من «أمراض» نقلها «حاملو المرض» مثل «من يحملون الميكروبات» إلى غيرهم دون أن يبدوا عليهم. بل إن عدم الدراية بلغة القرآن تسبب فى إحراج مؤسسات دعوية وتعليمية ووقوعها فى مقدمة «المرضى الذين يحملون المرض»، بل إن استقلال «الحركات الدعوية» ورغبتها فى التفرد جعلها تتورط تورطا شديدا فى إزعاج المسلم و«قلق النشء» وخوف غير المسلم من مجرد الحديث باسم الدين.

ــ2ــ

وقد أكد القرآن كثيرا أن لغته عربية، وأنه «قرآن مبين» وأنه «ميسر للذكر» وأنه هدى ورحمة، وأنه شفاء للناس.. إلخ. ومع ذلك تعجب أشد العجب لهؤلاء الذين لا يرون للدين والقرآن واجهة إلا العنف والضغط والترفع على الناس باسم الدين، وتراهم –هدانا الله وإياهم يسطحون الألفاظ والأساليب تسطيحا تشمئز منه القلوب. فالقرآن مثلا يستعمل ألفاظ: الحرب، القتال، الجهاد، وذلك فى معرض حديث القرآن عن حالات الاستثناء التى يجرؤ فيها الأعداء على تجاوز حدودهم وتمهيدهم أو حضورهم لاجتياح جدودنا. وتلك حالات معدودات فى تاريخ وحياة البشر. ومن أكبر الخطايا فى هذا المقام القول بترادف هذه الكلمات الثلاث، والصواب أن الجهاد عمل تربوى دائم يصاحب الإنسان يجعله قابلا للتضحية بما يملك «أموالهم وأنفسهم» سعيا لإعمار الحياة وإغناء للناس وتعارفهم وتقاربهم «..وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..» وليس «لتحاربوا» أو «لتتقاتلوا». ونظرا لتعدد وتنوع مجالات الجهاد، فإن الجهاد يفرض تنوعا فى «الحروب» بداية من «الحرب العلمية» التى ترهب من يفكر فى العدوان «التنافس العلمى» إلى الحرب الاقتصادية «التنافس الاقتصادى» إلى الحرب النفسية التى تدعو الآخر إلى إعادة التفكير فى حروب دبلوماسية وإعلامية وإعلانية تتكفل كلها بتجفيف الشرور ونزع السلاح واستبعاد العنف. فإذا لم تثمر كل تلك الحروب وتمادى العدو واقترب من اجتياح الحدود فليس هناك إلا الردع العسكرى بمثل تهوره، وهنا فقط يتحول إلى قتال.

ــ3ــ

أما لفظ «المقاتلة» فليس من القتال فى شىء. إنما هو كما يقول أهل اللغة: «المقاتلة هى المفاعلة المتواصلة أى التركيز على إشعار العدو بعدم جدوى العدوان وإصابته باليأس من الانتفاع بعدوانه، فالمقاتلة شىء والقتال شىء آخر»، واقرأ قوله تعالى «..قَاتَلَهُمُ اللَهُ..» أى لعنهم وأصابهم بإحباط ويأس وعجز. ومن ناحية أخرى، فإن هؤلاء الذين يجهلون لغة القرآن قد «قلبوا الآية» كما يقول الناس لأنهم بهذا الفهم جعلوا الأصل فى الدين هو القتال! والأصل فى العلاقات مع الغير هو البغض والعدوان! كما جعلوا الجهاد الذى أمر به الله عدوان على أوطان الآخرين ومعتقداتهم أو رؤيتهم للحياة وفلسفة إعمارها.

ــ4ــ

لهذا نقرر ونلح أنه لا جدوى من محاولات أو زعم تجديد الخطاب الدينى مع بقاء الدرس اللغوى للقرآن بتلك الحالة المتردية والتى لا تنتج إلا خطابا معوجا على الشريعة محرفا للقرآن مضادا لهذا الدين الذى سماه ربنا الإسلام. ومع ضرورة الاستعداد القوى لصد أى عدوان، فإن الأصل فى الإسلام هو السلام وليس الحرب، والدعوة وليس التهديد والقهر، والتعارف والتقارب والتبادل مع جميع الأمم والمعتقدات تقاربا يسعى للتعاون فى تطهير الحياة من العدوان والتخريب والفساد ثم التعاون فى تنمية البشر عقليا وصحيا واقتصاديا، وتلك مرحلة «المعروف» ثم التعاون على إخلاء الأرض من أسباب التوتر والنزاع، وهذا هو النهى عن المنكر «وَلْتَكُن مِنكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات