مغالطات الحكومة فى الخصخصة الجديدة - صفوت قابل - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مغالطات الحكومة فى الخصخصة الجديدة

نشر فى : الأحد 25 مارس 2018 - 10:40 م | آخر تحديث : الأحد 25 مارس 2018 - 10:40 م

أعلنت الحكومة فى مارس الحالى عن خطتها لخصخصة عدد من أكبر الشركات وأكثرها ربحية، وذلك تحت مسمى المرحلة الأولى لبرنامج الطروحات للشركات فى البورصة، حيث تضمنت القائمة ثلاثا وعشرين شركة منها شركات فى خدمات البترول والتكرير مثل شركة (إنبى) كما شمل البرنامج طرح شركة سيدى كرير للبتروكيماويات، وفى قطاع الخدمات المالية: بنك التعمير والإسكان، بنك الإسكندرية، بنك القاهرة، شركة تكنولوجيا تشغيل المنشآت المالية «E ــ finance»، شركة مصر للتأمين، وفى القطاع العقارى سيتم طرح شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير، وشركة مدينة نصر للإسكان والتعمير، وفى خدمات المستهلك سيتم طرح شركة الشرقية «إيسترن كومبانى»، كما سيتم طرح شركة مصر للألومنيوم، وقالت وزارة المالية إنه من المتوقع أن تصل القيمة الإجمالية للأسهم المطروحة ضمن برنامج الحكومة نحو 80 مليار جنيه، وتقرر أن تتراوح النسب المطروحة من الشركات ما بين 15 ــ 30%، وقال وزير المالية، إن البلاد تستهدف طرح حصص ما بين 4 و6 شركات حكومية بالبورصة خلال 2018 لجمع 12 إلى 15 مليار جنيه.
***
ويلاحظ أن هذه عودة قوية لبرنامج الخصخصة الذى كان قد توقف فى أواخر عهد مبارك بعد أن اتضحت خطاياه، ولكن الحكم الحالى الذى ينفذ ما يراه صوابا بغض النظر عن عواقب هذه السياسات كان أكثر جرأة فى التخلى عن الشركات الرابحة للقطاع العام وخاصة مع إدراكه لعدم وجود معارضة تتصدى لهذه السياسة ولسيطرته على الإعلام الذى يعرض رؤية الحكومة دون مناقشة جدية، وهو ما اتضح من تهليل كل البرامج لهذه الطروحات التى يبررونها بأنها توسع نطاق الملكية وتؤدى إلى العدالة الاجتماعية وتحسن الأداء فى الشركات، وفى اعتقادى أن ما سيحدث هو العكس فمشكلتنا الأساسية أن الحكومة لا تتعلم من الأخطاء بل تكرر نفس السياسة وتتوقع نتائج مختلفة، والدليل على ذلك ما يلى:

أولا: البداية فى تحديد الهدف من هذه الطروحات، حيث أعلن رئيس الوزراء أن المستهدف زيادة رأس المال السوقى للبورصة المصرية وزيادة قيمة وكمية التداول اليومى، على الرغم من أن العاملين فى مجال الاقتصاد يعرفون أن هذه المبيعات هى جزء من الاتفاق مع صندوق النقد الدولى وأن الحكومة تريد البدء فى هذا الإجراء قبل المراجعة الدورية لخبراء الصندوق فى يونيو القادم، كما أن قوة البورصة تكون نتيجة لقوة الاقتصاد وليست سببا لقوة الاقتصاد، وبالتالى فالأكثر أهمية هو زيادة الاستثمارات وليس مجرد نقل الملكية من الحكومة لبعض المستثمرين.

ثانيا: وللدلالة على ضخامة الشركات المطروحة وكثرة عددها وأن الأمر هو مجرد محاولة بيع ما يمكن بيعه للحصول على المزيد من الأموال، وليس نتيجة تخطيط واضح للاقتصاد، فقد صرح وزير المالية قبل شهر فقط وفى فبراير 2018 بأن الطروحات ستشهد ما بين 8 و10 شركات وإذا بالإعلان بعد أسابيع عن طرح 23 شركة من كبرى الشركات.

ثالثا: يلاحظ أن هيئة سوق المال أطلقت عددا من القواعد المالية الجديدة حيث يتم السماح بشراء وبيع الأوراق المالية النشطة بالبورصة وإجراء التسويات المالية عليها فى اليوم نفسه، بهدف اختصار زمن التسوية، وهو ما يسهم فى جذب المستثمرين والمضاربين وزيادة حجم التداول والسيولة فى السوق، وهو ما يؤدى إلى المزيد من المضاربة على الأسهم وارتفاع أسعارها وهو ما يفيد المضاربين وخاصة الأجانب الذين يسعون إلى ما يسمى (تسخين السوق) لكى يبيعوا ما اشتروه بسعر أعلى ثم يغادروا مع أرباحهم الكبيرة، وهذا بالطبع لصالح المضاربين ولكنه ليس فى صالح الاقتصاد أن تتحول البورصة إلى ما يشبه ساحة للمقامرة.

رابعا: ومما يدخل فى نطاق الدعاية ما صرح به وزير المالية: «إننا لا نخصص الشركات وإنما نعمل على إيجاد موارد مالية لإعادة هيكلة الشركات» فإذا كانت هذه الشركات ــ كما يصرحون ــ من الشركات الرابحة فهى لا تحتاج إلى إعادة هيكلة، وبالطبع فإن الحكومة بعد أن قامت بالبيع فإنها لن تضخ ما حصلت عليه لتطوير الشركة أو الإضافة إليها. وللتوضيح فلنفترض أن شخصا يملك منزلا يحتاج إلى ترميم ولكنه مَدِين وغير قادر على ذلك فيقوم ببيع هذا المنزل، فهل يعقل أن يستخدم ثمن البيع فى ترميم المنزل الذى باعه؟ ما سيحدث أن الحكومة ستستخدم حصيلة ما باعته فى سداد جزء من العجز فى الموازنة حتى تنخفض نسبة العجز إلى الحد الذى يطلبه صندوق النقد الدولى وفقا لقرض الـ12 مليار دولار، وبالتالى فلا داعى لهذه التصريحات التى تهدف إلى طمأنة المواطنين بما لن يحدث، لأنه إذا كانت الحكومة ترغب فى زيادة قدرات هذه الشركات فكان عليها أن تزيد رأس المال من خلال طرح الزيادة للاكتتاب وبالتالى تتوسع قاعدة الملكية وتحصل على أموال جديدة تستخدمها فى زيادة الاستثمار، أما وإنها باعت جزءا من حصتها فلن تستخدم ما حصلت عليه فى إعادة الاستثمار.

خامسا: كانت الحكومة المصرية قد تعاقدت العام الماضى 2017 مع شركة «إن آى كابيتال» التابعة لبنك الاستثمار القومى لإعداد برنامج الطروحات العامة للشركات الحكومية فى البورصة المصرية، وتأخرت عمليات الطرح بسبب أن هناك بعض الشركات التى لها مديونيات لبنك الاستثمار القومى، وبعض التشابكات المالية الأخرى، ولم يتضح ماذا ستفعل الحكومة فى ذلك، وخاصة فى المديونيات لبنك الاستثمار القومى.

سادسا: القول بأن قيمة الأسهم المطروحة 80 مليار جنيه يرتبط بكيفية تقدير قيمة الأسهم لكل شركة وهو ما يسمى القيمة العادلة للأسهم، وتواجه الحكومة فى ذلك مشكلة فى كل عمليات تقدير قيمة الأسهم، وكل الطرق التى اتبعتها الحكومة سابقا شابها القصور أو الفساد، فما هى الطريقة التى سيتم بها تقدير قيمة أسهم هذه الشركات الرابحة، وخاصة أن الحكومة متلهفة على البيع فهل ستعرض هذه الأسهم بقيمة تقل عن القيمة العادلة لضمان سرعة البيع وهى بذلك تُفرط فى أصول لن تتكرر بثمن بخس.

سابعا: أما القول بأن هذه المبيعات ستؤدى إلى توسيع نطاق الملكية والثروة فهو قول خاطئ حيث ستؤدى هذه المبيعات إلى زيادة تركز الثروة فى أيدى الأقلية، فمن سيشترى هو إما كبار رجال الأعمال وإما صناديق الاستثمار الخارجية التى ستعيد بيع ما اشترته بثمن أعلى، وهوما يؤدى فى النهاية إلى سيطرة الأقلية على الحد المسموح به نظريا فى كل الشركات.
ثامنا: كيف يأتى التطوير وإدارة الشركات ستظل فى أيدى من اختارتهم الحكومة ولن تحدث زيادة فى رءوس الأموال، أم هل تتخلى الدولة عن الإدارة لمستثمر رئيسى، وهل سيتراجع دور الدولة فى إدارة هذه القطاعات المهمة والتى يقوم عليها الاقتصاد، ومن يضمن أن القطاع الخاص لن يمارس أدوارا احتكارية ولنا أمثلة عديدة من تجارب الخصخصة السابقة، كما أن شراء الأجانب لهذه الأصول من خلال البورصة لن يؤدى إلى تغيير طرق الإنتاج أو الحصول على التكنولوجيا الحديثة بل مجرد المضاربة على أسعار الأسهم.

تاسعا: عندما سئل وزير المالية عن أن الحكومة ستفقد الأرباح والإيرادات التى كانت تحصل عليها بعد بيع هذه الحصص، كانت إجابته أن هذه الموارد قليلة، وهذا أمر غريب من حكومة تعانى ميزانيتها من عجز مزمن ومتزايد وبالتالى تبحث عن كل مورد يضيف لإيراداتها، بل إن الحكومة قد فرضت رسوما على مكررى العمرة لتضيف عدة ملايين لميزانيتها فكيف تتخلى عن مليارات تحصل عليها من هذه الشركات، فلقد حققت شركات قطاع الأعمال العام نحو 8 مليارات جنيه أرباحا عام 2017 ونحو 100 مليار جنيه إيرادات، هذا بخلاف الكيانات التى لا تدرج ضمن الشركات القابضة مثل البنوك وشركات البترول وهى ذات أرباح مرتفعة.
عاشرا: إذا كانت حصيلة هذه المبيعات ستستخدمها الحكومة فى سداد جزء من عجز موازنتها، فماذا ستفعل فى الأعوام القادمة حيث تتزايد الديون وتبلغ قيمة الفوائد نحو نصف إيرادات الموازنة.
أكرر ما كتبته سابقا أن الخصخصة على الطريقة المصرية لن تحل المشكلات بل ستؤدى إلى المزيد من المشكلات، ولكن لا أحد يتعلم من التجارب السابقة بل قدرنا أن الحكومات المتعاقبة تكرر نفس الخطايا وتوهمنا بأن هذا لصالحنا.

صفوت قابل أستاذ الاقتصاد عميد تجارة المنوفية السابق
التعليقات