الفرصة الفلسطينية في الأزمة الصهيونية - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 9:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفرصة الفلسطينية في الأزمة الصهيونية

نشر فى : السبت 25 مارس 2023 - 7:40 م | آخر تحديث : السبت 25 مارس 2023 - 7:40 م

نشر موقع 180 مقالا لمناضل فلسطينى معتقل منذ 22 عاما فى سجن نفحة بصحراء النقب المحتلة، يُدعى مروان البرغوثى، شرح فيه كيف يمكن للشعب الفلسطينى استغلال الموقف، وسط الأزمة التى تمر بها إسرائيل اليوم بسبب انقضاض التطرف الدينى على مؤسساتها، من أجل ترتيب البيت الفلسطينى الداخلى وعزل الحكومة المتطرفة إقليميا ودوليا... نعرض من المقال ما يلى:
لم يكن للصهيونية أن تحقق نجاحاتها لولا قدرتها على إدارة العلاقة بين مختلف المكونات، العسكرى والأمنى، والمدنى والسياسى والقضائى، والدينى والعلمانى، والأشكينازى والشرقى.

أمّا اليوم، وعلى وقع التحولات المتسارعة فى المشهد الداخلى، فإن المكتسبات كلها باتت مهددة. ومن أبرز هذه المكتسبات التى هى عرضة للزعزعة، تلك المتصلة بالعلاقة بين العسكرى والمدنى. فالجيش، والمؤسسة العسكرية والأمنية، اللذان بُنيا على قاعدة العلمانية الأشكينازية، وكانا موضع إجماع وقدسية فيما مضى، شهدا منذ فترة تحولا لمصلحة الصهيونية الدينية والمتدينين، وبات الأمر أكثر خطرا اليوم مع انقضاض الأحزاب الفاشية فى الحكومة على المؤسستين العسكرية والأمنية. فبتنا نسمع، عبر مفردات الخطاب الشعبوى، أن السياسى هو الحاكم المطلق على العسكرى والأمنى، وبالتالى، بات يتعين على الجيش والأمن الانصياع الكامل لسياسات الحكومة وتوجهاتها.

لقد سعت القيادة الصهيونية منذ تأسيس المستعمَرة لإيجاد وإبداع ما يكفل التوازن بين الدولة ككيان سياسى، والدين كمنظومة لاهوتية واسعة وجامعة فى معادلة تديين الصهيونية وصهينة الدين. إن هذه التناقضات التى تتصاعد حدّتها داخل السياق الصهيونى، باتت تعبّر، بصورة جلية، عن الطابع الفاشى للنمط القومى الصهيونى الذى تماهى مع الصهيونية الدينية، وهنا تغدو التناقضات والتصدعات بين مركّبات مجتمع المستعمَرة تخوما، وربما صدوعا، داخل المنظومة القومية الفاشية ذات التجليات اليمينية المتطرفة واليسارية الصهيونية. ولذا، يمكن القول إن الائتلاف الحكومى أفرز تصاعدا وتمركزا للصدع أو التناقض بين التيار السياسى اليمينى القومى الدينى الشعبوى، ومركز الدولة ممثلا فى مؤسساتها التى تُعدّ المحكمة العليا دُرّة تاجها، والتى يتم الانقضاض عليها من اليمين المتطرف. والمفارقة، فى هذا الجانب، هى أن شعار إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية لا يستثنى فقط العرب الفلسطينيين هذه المرة، وإنما يُقصى كذلك، أو سيعمل على إقصاء، جميع التيارات السياسية المعارضة للمنظومة الحكومية الفاشية الحالية.
• • •

لقد بات من الواضح أن هناك تفوّقا كاملا لإسرائيليى المستعمَرة فى دولة يهودية استعمارية عنصرية يحظى بها اليهود فقط بالحقوق الكاملة، بينما يحظى الشعب الفلسطينى داخلها ببعض الحقوق مع التنكر الكامل لهويتهم وحقوقهم القومية، وتهميشها. أمّا سكان قطاع غزة، والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، فهم سكان مقيمون بلا حقوق مطلقا، وليس لديهم أى شكل من أشكال السيادة لا على الأرض ولا على أنفسهم، ويخضعون بشكل كامل لسلطة الاستعمار والحصار.

على الصعيد الفلسطينى، هذه الحكومة الفاشية لن تكتفى بما هو قائم، بل ستعمل على إضعاف ما تبقّى من السلطة الفلسطينية وتحويلها إلى جهاز بيروقراطى هامشى خدماتى.

والسؤال الآن، فى ضوء هذه الاستراتيجية الصهيونية الواضحة، هو: ما العمل، وما الذى يمكن أن يقوم به الشعب الفلسطينى؟ سأحاول الإجابة عن هذا السؤال ما أمكن، منطلقا من حقيقة أن النظام العربى يمر فى أسوأ حالاته منذ عقود، ويعيش أزمة عميقة، ودوله قرارها غير مستقل وتسير بشكل غير مسبوق فى ركب التبعية، ويهرول بلا كوابح نحو التطبيع مع المستعمِر الصهيونى، على حساب القضية الفلسطينية. أمّا النظام السياسى الفلسطينى فمنقسم وعاجز ومأزوم، ويشهد حالة تآكل، بينما السلطة الفلسطينية هى سلطة من دون سلطة، واستعمار بلا كلفة، فضلا عن أن حالة الانقسام السياسى والجغرافى والمؤسساتى ألحقت ضررا بالغا بالنظام الفلسطينى.

ومع ذلك، أعتقد، جازما، أنه يتوجب علينا أن ننطلق من حقيقة أُخرى فى المشهد الفلسطينى والعربى. فعلى الرغم من مرور مائة عام على الصراع ومواجهة الغزو الاستعمارى الصهيونى الإحلالى، ومن التطهير العرقى والنكبة والمجازر والعدوان المستمر، فإن الشعب الفلسطينى سجّل أسطورة فى الصمود والبقاء والمقاومة، إذ يعيش ما بين النهر والبحر نحو سبعة ملايين من الفلسطينيين فى مقابل سبعة ملايين من اليهود. وهؤلاء الفلسطينيون ليسوا كمّا ديموغرافيا أو رقما إحصائيا، بل هم فاعل حضارى وسياسى واقتصادى وثقافى واجتماعى ونضالى وتحررى مقاوم. أمّا النصف الآخر من الفلسطينيين الموجودين فى الشتات والمنافى والاغتراب، فإن فلسطين تسكن وجدانهم وقلوبهم وعقولهم، وهم فاعل أساسى فى معادلة الصمود، ويؤدون دورا مهما على المستويات كافة. كما أن مقاومة الجيل الجديد، ونجاح الفلسطينيين فى شتى المجالات فى فلسطين وخارجها، يشكلان مصدر إلهام وحافزا على مواصلة مسيرة التحرر الوطنى.

انطلاقا من هذا الواقع، فإن الخطوة الأولى العاجلة والمطلوبة فلسطينيا هى عقد مؤتمر وطنى للحوار الشامل بمشاركة جميع ممثلى القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والأكاديمية، وبتمثيل القطاعات والشرائح والأجيال كلها، وممثلى المرأة والطلبة والشبيبة والأسرى المحررين وقادة الرأى العام فى الداخل والخارج، وذلك بهدف بلورة استراتيجية فلسطينية جديدة تقود إلى إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة والوحدة الوطنية، وإعادة بناء وتطوير منظمة التحرير، وإعادة النظر فى وظائف السلطة الفلسطينية، وخصوصا الأمنية منها، وترتيب البيت الفلسطينى الداخلى، والاتفاق على جدول زمنى لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وعضوية المجلس الوطنى، وتوليد نخبة سياسية قيادية نضالية فلسطينية جديدة عبر صناديق الاقتراع، والاستناد إلى (وثيقة الأسرى للوفاق الوطنى) بصفتها وثيقة الإجماع الوطنى الشعبى والسياسى الفلسطينى الوحيدة، والتمسك بمبدأ الوحدة الوطنية والمقاومة الشاملة كطريق للنصر والحرية، إلى جانب استنهاض وتأطير طاقات شعبنا فى كل مكان، والاستفادة من الانقسام الداخلى فى دولة المستعمِر، وتوظيفه للعمل على عزل هذه الحكومة ومحاصرتها إقليميا ودوليا، واشتراط إلزامها بحقّ الشعب الفلسطينى بتقرير مصيره، وحق اللاجئين واللاجئات فى العودة، والاعتراف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، ووقف الاستيطان والحصار والعدوان والتهويد، والعمل على حشد موقف عربى وإقليمى ودولى لتأييد هذا البرنامج، إلى جانب تفعيل المقاومة الشاملة.

التعليقات