عوائق تجديد الخطاب الديني..
 21ــ دعوة تأصيل الحرب والقتال - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عوائق تجديد الخطاب الديني..
 21ــ دعوة تأصيل الحرب والقتال

نشر فى : السبت 25 يونيو 2016 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 25 يونيو 2016 - 9:16 م
من مشكلات الخطاب الدينى أن يتوهم البعض ضرورة مطابقة السياسة العامة للسياسات النبوية وكأن كل ملك أو رئيس أو إمام هو «نبى عصره» مطالب بأن يكرر السياسات والتصرفات التى فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الوهم نشأ من قياس السياسات الحربية للخلفاء على الحروب التى اضطر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا وهم شديد، والفرق بين سياسات النبى صلى الله عليه وسلم وسياسات الخلفاء فرق واسع نحاول تجلية أبعاده فيما يلى:

ــ1ــ

المعروف والمشهور والموافق للقرآن الكريم وصحيح السنة النبوية أن دعوة الإسلام دعوة سلمية إلى أبعد مدى، وأن إعداد المسلمين للقوة المسلحة ليس للعدوان ولا لاجتياح البلاد وفرض الإسلام على الناس، ولكن إعدادنا للقوة يهدف إلى صرف المغامرين عن التعرض لأوطان المسلمين ومصالحهم وحسب. ثم لتلك القوة هدف آخر، هو الاستجابة لنداء المستضعفين من البشر فى أى مكان، إذا استجاروا أو استغاثوا بالمسلمين فيتقدم المسلمون لنصرة المستضعف سواء كان المعتدى قوة استعمارية مثل الفرس والروم، أو كان حاكما ظالما يقهر شعبه ويسلب الناس حقهم فى الحياة الكريمة. فهذان هما الدافع الوحيد لبناء القوة المسلحة وإعدادها.

ــ2ــ

إن مراجعة السيرة النبوية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبادر أبدا بعدوان، ولا بالتهديد والتلويح بالقوة، وأن جميع المواقع التى تمت فى عصره صلى الله عليه وسلم سواء الغزوات التى حضرها أو السرايا التى أمر بها فكلها دون استثناء كانت حربا دفاعية وليست هجومية. وذلك منهج عام سواء مع الخارج، أو فى الداخل، مثلما كان فى (قينقاع/ النضير/ قريظة/ خيبر)، فكل تلك الغزوات كان السبب الرئيس والدافع المحرك هو خيانة اليهود لعهدهم كمواطنين وتهديدهم للدولة التى ترعاهم. ولعلنا لا ننسى أن الروم قد حرضوا قبيلة الغساسنة على تهديد حدود المسلمين فخرج الرسول بجيشه إلى «تبوك»، وعندئذ فر الروم وتركوا الغساسنة النصارى وحدهم وأدرك الغساسنة مكيدة الروم، وأدركوا أن مصالحهم وأمانهم فى التحالف مع المسلمين، فتم توقيع معاهدة الصلح والدفاع المشترك، ولم يفرض النبى على هؤلاء الإسلام بل تركهم وشأنهم.

ــ3ــ

وجميع السرايا التى بعثها صلى الله عليه وسلم كانت لتأديب الأعراب المحيطين بالكعبة واستمرار محاولاتهم للإجهاز على المسلمين وإبادتهم، فكان من الطبيعى أن تعتمد السياسة الحربية النبوية مبدأ تأمين الحدود وتأديب المعتدى وإعادة الكعبة لما كانت عليه أيام إبراهيم وإسماعيل قبلة للتوحيد وخير شاهد على ذلك تصريح الرسول يوم فتح مكة بقوله للمشركين: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وكذلك تحريره للأسرى دون مقابل سواء فى غزوة حنين أو بنى المصطلق وغيرهما.

ــ4ــ

لكن السياسة الحربية لأبى بكر استهدفت إخماد الفتن التى أثارها «مدعو النبوة» أمثال مسيلمة، فهؤلاء أعلنوا عداوتهم للمسلمين ورفعوا السلاح بل حضروا به إلى المدينة يريدون تصفية الدولة والقضاء على الدعوة والفكرة، فلم يجد المسلمون أمامهم إلا مواجهة القوة بالقوة وردع من تسول له نفسه بالعدوان سواء على الأفراد أو على الوطن.. وقد خمدت تلك الفتن واستقرت الجزيرة العربية بفضل تلك الحروب الاستثنائية التى اضطر لها المسلمون منذ العام الأخير فى أجل الرسول وحتى نهاية خلافة أبى بكر.

ــ5ــ

وكانت السياسة الحربية لعمر بن الخطاب تتبنى مبدأ آخر غير فرض الإسلام أو إكراه أحد على اعتناقه، فالشاهد الواضح أن العالم الإنسانى كان يعانى أشد المعاناة من جبروت قوتين كبيرتين هما الروم والفرس، فكل من هاتين الإمبراطوريتين كانت تقهر شعوبا وتسرق ثروات وتحتل بلادا وتقتل شعوبا ولا تجد الشعوب من يساعدها سواء للتحرر من المعتدى أو للخروج من طغيان الحكام. فكان من الطبيعى وقد من الله على المسلمين بالقوة والهدوء الداخلى أن يبادر المسلمون لرفع الضيم عن البلاد الواقعة تحت سطوة الفرس والروم. وشهدت الدنيا أن «قوات المسلمين» لم تضغط على أحد ولم تكره أحدا ولم يكن لها من شغل شاغل إلا مطاردة المحتلين أو تأديب المتجبرين.

ــ6ــ

ولشديد الأسف فإن القراءة التسطيحية من ناحية، والروايات غير الموثقة من ناحية ثانية، فضلا عن الجهل بقيم الشرع ومبادئه، كل ذلك ساهم فى خلق الوهم وتوطينه فى الكتب ولدى بعض العقول.. ألا وهو وهم أن فريضة الجهاد تفرض على المسلمين قهر العقائد الأخرى أو التحكم فى أتباعها. وذلك كله وهم لا أساس له فى الشرع، وهو نقيصة شديدة السواد فى ثوب خطابنا الدعوى.
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات