موسيقى وحب وجمال بلا حدود - خولة مطر - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 1:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موسيقى وحب وجمال بلا حدود

نشر فى : الأحد 25 يونيو 2023 - 6:50 م | آخر تحديث : الأحد 25 يونيو 2023 - 6:50 م

يأتى صوت المؤذن هادئا جميلا وكأنه يدعو للتأمل، فيتوقف عازفو فرقة «عود بلا حدود» دون أن يكون فى ذلك وما كانوا يعزفون تناقضا أو بعدا عن ذاك الخشوع فى بحر الجمال الروحى. ويبقى الحضور فى حديقة بيت «فارس ولوسيا» بداخل السور القديم بمدينة جبيل المسترخية فى حضن المتوسط على مقربة من مرفأ جبيل بقواربه الصغيرة المزينة بروح أهل المدينة التى لا تمل من إبهار زوارها بجمال روحى يندر أن تحافظ عليه مدينة صغيرة فى ذاك الركن من شمال لبنان.
• • •
للمكان والفرقة العازفة قصة أو ربما قصص بجمال ذاك المساء من ليل جبيل بين جدرانه وأسواره القديمة جارة البحر. تقدم نجوى قصيفى الفرقة وترحب بأصدقائها القادمين من مختلف المناطق لبيتها الذى خُلقت فيه وتركه أهلها، لتعود هى بعد سنين له وتحوله إلى فضاء تستضيف وتستقبل وتلتقى فيه بأصدقائها من كل بقاع الكون الذى عاشت وعملت فيها وتركت بها أثرا من اليمن لأسوان والأقصر والمغرب مرورا بـ فلسطين ــ هاجسها وولعها هى وكثير من أصدقائها الذين يشبهونها فى التعلق بالحب والجمال.
• • •
قالت فى افتتاح الأمسية أن هذا المنزل بل هذا الحى هو خالٍ من كثير من شوائب الزمن التى بقيت تطارد اللبنانيين والعرب بل ربما كل البشر. فهو لم يعرف الدين الواحد أو الطائفة أو اللون أو العرق
أو حتى التمييز حسب الجنس، ويبدو ذلك واضحا من جمهور ذاك المساء المترفع عن كل طفح الزمان الحاضر. جيرانها شاركوها الترحيب بالضيوف القادمين وكأنه بيتهم هم أيضا، وكان واضحا تنوع الحضور القادم الباحث عن مساحة فى حضن الجمال والنقاء وكثير من الحب.. تنثره هى وصديقاتها وأصدقاؤها.
• • •
على أنغام العزف المتنوع غير المحصور فى أى إطار كما قال عازف العود سمير نصر الدين بأنه يرفض أن تنحصر آلة العود بالتقاسيم ومرافقة الغناء، وأنه قام بإدخالها فى الموسيقى العصرية الشرقية منها والغربية وخلق مزيجا هو أكثر تلاحما والتصاقا من التزاوج ليمتع متذوقى الموسيقى والجمال بكل تفاصيله وأنواعه. استطاع هو ورفاقه أن يأخذ الحضور إلى عوالم مختلفة لامست أعماقهم وأعماقهن حتى خلقوا هم مع الألحان إلى أمكنة بعيدة فى النفس البشرية.. كالعادة تحركت النساء من الحضور فى تناغم مع الألحان وربما فى تلاحم روحى فقامت بعضهن بالرقص وكأنهن يقولن، هل من فضاءات أخرى؟
• • •
فى تراقص الأنغام مع تغير تلاوين الشجر والسماء على بعد مسافة بسيطة من تلك القلعة والميناء الصغير، فى كل ذلك شىء من لمسة من السحر قد لا تكون شبيهة بأى تلاق روحى آخر. يزيد تألق العازفين مع حضور بهذا الشكل من الالتصاق بالموسيقى وقدرتها على كسر الحواجز والجدران.. يحلق الجمع بأسره فى حديقة فارس ولوسيا ويتصورون كيف كانت الحياة هنا فى تلك السنوات البعيدة التى تحدثت عنها صاحبة المكان. تمنى الكثيرون لو أنهم عاشوا معها مثل تلك السنين الحميمة فى زمن ندرت فيه الحميمية والوفاء بل وعشق الجمال ومطاردته أينما كان.. لا ينتهى المساء فى هذا البيت المسكون بالمحبة عند توقف العود ورفاقه، بل ينتشر الحضور فى أركان البيت بعضهم فى سطحه حيث البحر من خلفهم والقلعة أمامهم وكثير من الطيور والشجر وآخرون يبقون منثورين بين الشجر وفى زوايا البيت الحجرى، كأنهم يحاولون أن يستمعوا لقصص طبعت بين كل حجرة وأخرى فى ذاك البيت الملىء بحيوات أهله رغم رحيلهم.
• • •
على طاولة تجلس مجموعة من النساء كل قادم من زاوية ومعظمهن كنا حالمات بأوطان تشبه هذا البيت! هنا حضور عربى قد يكون أكثر قربا للواقع من تلك الجامعة! كان الجمع لا يزال محلقا بعيدا بعيدا فى فضاءات أخذتهم لها تلك المعزوفات والحضور أيضا فالموسيقى تبادل المحب حبا والمتلقى المتذوق بمزيد من المساحات البيضاء الواسعة تفتحه له وتقول له، إن لم تكن قادرا على الوصول لها فنحن معك لنأخذك إلى ما بعد بعد اللحظة.

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات