نورى بوزيد يؤكد «ما نموتش» - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 2:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نورى بوزيد يؤكد «ما نموتش»

نشر فى : الخميس 25 أكتوبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 25 أكتوبر 2012 - 8:00 ص

بعد شهرين من اندلاع الثورة التونسية، وأثناء مناقشة، على أرض المحبة والاحترام، بين طلبة جامعيين، والمخرج الكهل سنا، الشاب روحا، اقترب مجهول من ظهر المخرج الكبير، ليضربه بآلة حادة على رأسه. تفجر الدم. وبينما انشغل الجميع بكفكفة الدم، هرب الجانى الجبان من المكان. نورى بوزيد، كان يتوقع مثل هذا الاعتداء، فخطابات ورسائل التهديد لم تنقطع، بسبب مواقفه الفكرية، المعلنة بوضوح، ضد قوى التخلف والظلام، فهو، من اليسار التونسى المناضل. دخل السجن لعدة أعوام فى السبعينيات، خرج بعدها ليحقق أفلاما جميلة ومهمة، حظيت بنجاح كبير من الجمهور، وتقدير رفيع من المهرجانات الدولية.

 

مخرج «ريح السد» 1986، «صفايح من ذهب» 1988، «حرب الخليج» وبعد 1991، «بزناس» 1992، «بنت فاميليا» 1997، «عرائس من طين» 2002، «آخر فيلم» 2006، قرر عدم الذهاب للشرطة كى يبلغ عن الحادث، معلنا، بطريقته اللماحة فى إبراز المفارقات، أن الشرطة قد تكون أشد قسوة عليه من الجانب النذل.. سريعا، جاء رده بالسلاح الذى يملكه، ويجيد استخدامه، الفن، وبلا تردد، أجرى تغييرات فى سيناريو «مانموتش»، ليتواءم مع ما جرى، ذاتيا ومجتمعيا. فى الفيلم يظهر نورى بوزيد، بشخصه: عازف أكورديون ضرير، من عامة الشعب، يسقط أرضا، مصابا بجروح وكدمات، فى إحدى المظاهرات، وتتلاشى معالم الألم والخوف من وجهه حين يلتقط الناس الأوكورديون من الأرض، ويسلمونه إياه.. يتحسسه بأصابعه، يحتضنه وقد فاض وجهه بالبشر.. قبل النهاية، يلقى الرجل حتفه، ومع هذا، تندلع المظاهرات، كما لو أن بوزيد يؤكد أن الاعتداء عليه، أو حتى مصرعه، لا يهم، ولا يؤثر فى مسيرة الثورة التى لابد أن تستكمل.

 

«مانموتش»، يبدأ بداية قوية: مصادمات بالغة العنف، بين الشرطة ومتظاهرين، مع سقوط جرحى وشهداء. ومن داخل بوابة منزل، ترصد الكاميرا ما تستطيع أن تراه من مطاردات.. وبعيدا عن الموقف الشخصى لنورى، نتلمس معه عالم الشابتين التونسيتين «زينب وعائشة»، إحداهما لا تضع الحجاب، والثانية محجبة. صديقتان، تعملان فى مطعم، تشتركان فى الثورة، لكن هروب الطاغية بن على لا يعنى تحقق العدالة، فثمة طغيان، ربما أشد وطأة، لمجتمع ذكورى، يطغى على المرأة بقناع الدين، ويطعن مرة ثانية بقوة الهيمنة الاقتصادية. خطيب زينب، الثرى، ووالدتها،  وخالتها، يضغطون عليها كى تضع الحجاب، وصاحب المطعم يضغط على عائشة كى تنزع الحجاب، وتقدم الطلبات للزبائن.. نورى بوزيد، كاتب العمل ومخرجه، يتعاطف بصدق مع الشابتين، ولا يفوته أن يقدم، بوعى، عالميهما الأسرى، بتفاصيل تبين بجلاء، خارطة المجتمع التونسى، بهمومه وأمانيه، على نحو مفعم بالحيوية، برغم هبوط إيقاع الفيلم، وغلبة الحوار فى بعض أجزائه.. لكن هذا لا يؤثر فى روح الفيلم المشبوبة، وإيمانه بروح الثورة، الأمر الذى جعل لجنة تحكيم مهرجان أبوظبى تمنح مبدعه، نورى بوزيد، جائزة أفضل مخرج فى مسابقة الأفلام الروائية.. وبدوره، فى سلوك يتماشى تماما مع طبيعته، أهدى بوزيد جائزته، للنساء التونسيات، الصامدات، اللاتى يؤكدن أنهن لن يمتن وهن أحياء.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات