الديموقراطية.. تلك المضغة في أفواهنا!!! - حسنى كحلة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 8:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الديموقراطية.. تلك المضغة في أفواهنا!!!

نشر فى : الخميس 25 ديسمبر 2014 - 12:20 م | آخر تحديث : الخميس 25 ديسمبر 2014 - 12:20 م

تذكرني كثرة الإلحاح بالكتابة وبالاحتجاج والمطالبة بالديموقراطية، بالتعبير الذي استخدمه توفيق الحكيم في صياغته لبيان الكتاب والصحفيين الذي دعم به حركة الطلاب عام 1972. والتي كانت تطالب السادات، بدخول الحرب مع إسرائيل. وقد جاء في هذا البيان "لقد كثر الكلام عن المعركة دون معركة، حتى صارت المعركة مضغة في حلوقنا، لا نستطيع أن نبتلعها ولا نستطيع أن نلفظها".

لكن الفرق بين هذه المطالبة بتلك المعركة والمطالبة بالديموقراطية، هو أن الأولى توفرت لها الشروط الضرورية لتحقيقها، حيث عملت القيادة السياسية آنذاك عقب الهزيمة مباشرة، على إعادة بناء القوات المسلحة، مؤكدة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. ولكن عندما توفي عبد الناصر وتولى السادات، سرى شعورعام بأن السادات يماطل للتوصل لاتفاق مع أمريكا وإسرائيل عوضا عن الدخول في حرب . فقام الشباب بحركته وسانده الكتاب وعدد من النقابات كما أسلفت، للضغط على السادات لدخول الحرب.

أما في حالة المطالبة بالديموقراطية، والتي تطلب استعداداً مماثلاً تماما – حيث العمل السياسي هو ممارسة للقوة – فلا نجد إلا جعجعة ورطانة لفظية، تفتقر لأسس علمية وللعمل بجدية من أجلها.

•••

إن الدولة في أبسط تعريف لها، هي شعب، يقيم على إقليم محدد ، تحكمه سلطة، تتمتع بالسيادة. وعندما ينحصر صنع القرار السياسي في السلطة وحدها، نصبح أمام نظام سلطوي، أما عندما يتمكن الشعب عبرممثليه وأحزابه من فرض نفسه على السلطة، والمشاركة في القرار السياسي، فهنا فقط نصبح إزاء نظام ديموقراطي. فالديموقراطية لا تتوقف على أريحية هذه السلطة أو تلك، فلا توجد سلطة في أي دولة على وجه الأرض ترحب بتلك المشاركة، ولا حتى في أعرق الدول الديموقراطية. فالديموقراطية توجد فقط إذا ما وجدت قوى سياسية منظمة .

ومصر تعيش في ظل نظام سلطوي منذ أسس محمد علي لمشروع الدولة المصرية الحديثة، التي فقدناها عام 525 (ق.م) باحتلال الفرس لمصر. ولكن سلطة الدولة الوليدة انتقلت فعليا من الخديو توفيق إلى (الإنجليز)، حتى انتزعها جمال عبدالناصر وجيله، بواسطة انقلاب عسكري تحول إلى ثورة حقيقية، جسدت أهداف الحركة الوطنية منذ ثورة عرابي. حيث قامت بإجراء تغيرات واسعة في البنية الاجتماعية والاقتصادية، بل وفي أوضاع الإقليم والعالم دون مبالغة. بعد أن فشلت الطبقة السياسية ولمدة ثلاثة وثلاثين سنة منذ ثورة 19 ، في تحقيق الهدف الأساسي الذي قامت من أجله تلك الثورة، وهو إجلاء الإنجليز عن مصر بعد احتلال دام سبعين عاماً.

•••

لكن العيب الخطير في النظام السلطوي، أنه كما حقق أهداف الثورة المصرية بفاعلية، حقق بنفس الفاعلية أهداف الثورة المضادة. فعندما تولى الحكم أنور السادات، كان يضمر قناعة مختلفة تماماً. فقد كان يعتقد في عبثية مواجهة أمريكا، ويرى في شاه إيران مثله الأعلى – حسبما اعترف لأحمد بهاء الدين – ولذلك سعى منذ توليه الحكم إلى تقديم كل عرابين المحبة لأمريكا، حيث قدم مبادرة لفتح قناة السويس في فبراير1971 ، ولكن رفض إسرائيل، والضغوط المشار إليها من قبل الشعب والجيش، اضطرته لدخول حرب 73 – مكرهاً لا بطل – كما يظن البعض. ورغم أنه فوجئ شخصيا بالأداء المبهر لعبور الجيش – كما يقول هيكل – إلا أنه لم يغير من قناعاته، وبسببها حدثت الثغرة ، وخسر حلفاءه، بل ولقى حتفه في نهاية الأمر . لكن بعد أن سلم (السلطة الفعلية) لأمريكا – تماما كما حدث لمصر بسبب الخديو إسماعيل – نتيجة السفه الاقتصادي الذى سبب ديناً كبيراً . فرغم تدفق المعونات والتحويلات في السبعينيات، بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر، فقد ترك السادات البلاد وحجم دينها الخارجي 23.5 مليار دولار، فيما كان وقت تسلمه الحكم 1.5 مليار دولار . ولذلك عندما قامت ثورة 25 يناير واجهت سلطة اسمية (حسني مبارك) ، ولكن السلطة الفعلية (أمريكا) التي لم تسفر عن وجهها سوى في 30 يونيه.

•••

ولاشك أن النظام السلطوي مهما حسنت النوايا خطرعلى مصالح البلاد. ولكن السؤال كيف الوصول إلى الديموقراطية؟

لقد كانت لدينا فرصة للتحول الديموقراطي في الفترة الأولى من حكم حسني مبارك – وكان يحاول مقاومة الضغوط الأمريكية ، قبل أن يستسلم لها تماماً في مطلع التسعينيات، ولكن الطبقة السياسية أضاعتها. ففي عام 1987 كانت هناك انتخابات برلمانية، وعقدت أحزاب المعارضة مؤتمراً جماهيرياً في عابدين، طرح فيه اقتراح بأن تنزل الأحزاب الخمسة على قائمة واحدة في انتخابات مجلس الشعب. وكانت فرصة نادرة لتغيير النظام السلطوي، والسير في طريق التحول الديموقراطي. ولكن تم التراجع عن الفكرة.

وتردد وقتها أن الأمريكان طلبوا من حزب اليمين أن ينسحب من تلك القائمة وينزل بمفرده، وأن الحكومة قدمت 100 ألف جنيه لحزب اليسار ليدخل الانتخابات بمفرده أيضاً. وهنا استغل عادل حسين (وهو شقيق أحمد حسين مؤسس مصر الفتاة) – رئيس تحرير جريدة الشعب آنذاك – الفرصة ، فقام بتشكيل ما أسماه التحالف الإسلامي، وهو من صك شعار "الإسلام هو الحل" وضع للإخوان البرنامج الانتخابي بخبراته الماركسية السابقة . وعندما التقيت الأستاذ أحمد بهاء الدين أنذاك أقنعته بمواجهة عادل حسين، وفعلا كتب نحو 12 يومية متتالية في الأهرام منذ مايو 87 موضوعها "دفاعاً عن الاسلام". وعندما التقيت عادل حسين بعد ذلك بعامين، سألني :كيف ترانا على البعد فأجبته : كنت واعداً في كتابك العظيم "الاقتصاد المصري من الاستقلال إلى التبعية" ولكنك لم تف! فقال لي لم؟ فقلت، لأنك منصرف إلى التحالف على حساب البناء الذاتي. وهذا ما كنت أقوله لمجدي حسين "فليكن تحالفاً انتخابياً، ولكن لنحتفظ لحزب العمل بتاريخه ورموزه ولنهتم ببناء حزب حقيقي للمستقبل" لكنه كان مشدوداً لذلك التكتيك الكسول قصير النظر.

•••

والنتيجة هي ما نرى...عقود مرت ، ونحن مازلنا نراوح في مكاننا. ونكتفى بالهتافات والشعارات وانتظار رحمة السلطة.. لا أحد يعمل على بناء حزب حقيقي ، يمَكنه من مشاركة السلطة في صنع القرار السياسي . لا أحد يهتم بنشر معرفة سياسية حقيقية لتكوين كوادر حزبية شابة ، تدرك حقائق الحياة السياسية .

وعندما تفتقر البلاد لأحزاب قوية تتداول السلطة فيما بينها ، فسوف تخلو البلاد إلا من قوتين منظمتين هما الجيش والتنظيم الديني (إخوان ومشتقاتها أو كنيسة). وبعد ذلك نتباكي على الديموقراطية.

•••

عند وضع الدستورالأخير أصر أعضاء اللجنة التي وضعته على رفض النظام الرئاسي ولو لفترة انتقالية (وهو بالتأكيد مختلف عن النظام السلطوى)، وأقرت نظاما يحتاج لوجود أحزاب قوية، ولا يعطي رئيس الجمهورية سوى صلاحيات تخص الأمن والدفاع والسياسة الخارجية. والطريف كانت مطالبة مرشحي الرئاسة ببرامج لتحقيق مطالب الثورة، مع أن الدستورلا يعطيه صلاحيات ، خصوصا في مرحلة انتقالية بطبيعتها . فالصلاحيات وفقا للدستورفي يد رئيس الحكومة التي ستكون حتما ائتلافية، يتكرر سقوطها بسبب الخلافات المعتادة. فكان من نتيجة ذلك قانون الانتخابات والصراع العقيم حول الحصص لا حول الديموقراطية.

مشكلتنا الآن ليست مع السلطة، ولا ما يسمي بالدولة العميقة، بل هي في الأساس مع طبقة سياسية قصيرة النظر، تشارك في العمل السياسي مشاركة الهواة في أوقات الفراغ، ومع المنتفعين من هذا الوضع.

لابد من بدء رحلة الألف ميل، بالكفاح لبناء حزب حقيقي وكسر الحلقة المفرغة، وتغليب الجماعية على الفردية، وعندها فقط تبدأ عجلة الديموقراطية في الدوران .

باحث في الاقتصاد السياسي للعلاقات الدولية

حسنى كحلة باحث في الاقتصاد السياسي للعلاقات الدولية
التعليقات