ماذا لو كان تسعير البنوك للعملة غير دقيق؟ - نعمان خالد - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا لو كان تسعير البنوك للعملة غير دقيق؟

نشر فى : الأحد 26 مارس 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الأحد 26 مارس 2017 - 9:10 م

كيف يتم تحديد سعر الصرف بشكل يومى بعد تحريره؟ لو كانت العملة المحلية مدرجة على شاشة الفوركس (سوق تداول العملة مثل الدولار الأمريكى واليورو)، لكان فهم الوضع أكثر بساطة، لأن هذه العملات تخضع للتداول من جهات مختلفة ما يجعل أسعارها المعلنة مزيجا متنوعا من آراء علمية بها عدة سيناريوهات تؤدى إلى تغير فى قيمة العملة، إلا أن العملة المحلية غير مدرجة على شاشة الفوركس.. فيبقى السؤال.. من الذى يحدد اتجاه العملة؟ و كيف؟ وعلى أى أساس؟
فى الثالث من نوفمبر عام 2016، أصدر البنك المركزى بيانا أعلن فيه عن «تحرير أسعار الصرف لإعطاء مرونة للبنوك العاملة فى مصر لتسعير شراء وبيع النقد الأجنبى» وتابع: «لقد أصبحت مسئولية أسواق النقد الآن هى بالدرجة الأولى مسئولية البنوك المصرية».
حينما تعطى البنوك مرونة «لتسعير» شراء وبيع النقد الأجنبى، يجب علينا أن نفهم بكل دقة كيف يتم «تسعير» شراء وبيع النقد الأجنبى من قبل البنوك، هل هناك مثلا نماذج اقتصادية تتبعها البنوك وتدخل بها أرقام العرض والطلب للدولار ويعطى هذا النموذج رقما عادلا للعملة فى هذه اللحظة ومن ثم تنشره البنوك على شاشات الانتربنك؟ أم أن الأمر خاضع أكثر لاجتهادات شخصية من قبل العاملين فى غرف التداول Dealing room وبالأخص الـFX Trading؟ وإن كان الأمر كذلك، فما هو مضمون ومحتوى تلك الاجتهادات؟ هل تعتمد على تحليل وفهم عميق للوضع الاقتصادى على المدى المتوسط والبعيد أم أنها نابعة من رؤية قصيرة الأجل؟
بالنظر إلى تحركات سعر الصرف منذ نوفمبر 3 وحتى اليوم، يبدو أن التسعير خاضع لاجتهادات شخصية محملة برؤية قصيرة الأجل... وهذا أمر يدعو للقلق!

تأرجحات سعر الصرف منذ التعويم!
تأرجحت، ولم تتذبذب أسعار الصرف (لأن التذبذب هو تحرك بسيط) منذ الثالث من نوفمبر انخفاضا وارتفاعا بقيم حادة غير مبررة وغير مفهومة. فقد مرت العملة المصرية منذ التعويم بست جولات أساسية، بدأت بانخفاض الجنيه مقابل الدولار بـ22% خلال الفترة من 3 نوفمبر حتى 8 نوفمبر، ثم ارتفاع بـ15% من 8 نوفمبر حتى 15 نوفمبر ثم عاودت الانخفاض مرة أخرى بـ20% فى الفترة من 15 نوفمبر حتى 20 ديسمبر، وبقيت على نفس المستوى حتى 1 فبراير. ثم فى الجولة قبل الأخيرة ارتفع الجنيه 20% من 1 فبراير حتى 23 فبراير، وأخيرا انخفض 11% حتى 28 فبراير.. وقد حدث كل هذا فى أربعة أشهر فقط!
تعطى المؤشرات الاقتصادية الرائدة (leading Indicators) الرؤية المستقبلية لوضع الاقتصاد على مختلف الأصعدة. فسعر الصرف هو مؤشر رائد، تنخفض أو ترتفع قيمة العملة على أساس توقع البعض لتدهور أو تحسن الأقتصاد فى المستقبل، مثلما حدث فى السوق السوداء عام 2015 قبل أن تشتد الأزمة فى عام 2016. لذا فإن تأرجحات حادة للعملة بهذا الحجم، معناه أن البنوك غيرت رؤيتها للوضع الاقتصادى 6 مرات بين تفاؤل وتشاؤم فى 4 أشهر فقط!
تتأرجح العملات بحدة تأثرا بأحداث كبيرة، مثل الأربعاء الأسود فى 1992 والبريكسيت Brexit والأزمة المالية العالمية 2008 وليس بسبب تدفقات بعض المليارات فى اقتصاد به فاتورة استيراد بـ90 مليار دولار. فما حدث لسعر الصرف هو أمر غير منطقى وغير علمى، إذ لم تتغير الرؤية العامة للاقتصاد منذ التعويم حتى يومنا هذا لتحدث تلك التحركات العنيفة. التفسير الوحيد لتلك التحركات هو أن العاملين بالبنوك تأثروا برؤية قصيرة الأجل «بقدوم أو وقف التدفقات الدولارية اليومية» فرفعوا العملة أو خفضوا قيمتها كلما جاءت التدفقات أو جفت دون النظر إلى وضع الاقتصاد المستقبلى والكلى فى الأمد المتوسط والبعيد.

من الممكن أن تؤدى تلك التأرجحات إلى الشلل الاقتصادى!
البعض لا يفهم حجم الضرر الذى قد تقودنا إليه هذه التحركات العنيفة فى سعر الصرف، فحينما تكون الرؤية ضبابية لمستقبل الاقتصاد وبالأخص لسعر العملة، نجد ان جانب العرض Supply side للاقتصاد مثل المنتجين والشركات يجد صعوبة بالغة فى تحديد تكلفة مدخلات الانتاج ومن ثم يقرر لأن يوقف الإنتاج بالكامل ويحتفظ بالمخزون حتى تتضح الرؤية، أو يرفع الأسعار تجنبا لأى زيادة مرتقبة فى سعر الصرف. ومن جانب الطلب Demand Side، نرى أنه يحدث انقسام كبير بين المستهلكين، فالبعض يتوقع أن يهبط سعر الصرف فيقرر أن يتوقف عن الشراء حتى ينخفض السعر، ويرى البعض الاخر أن العملة سترتفع وأن الأسعار الحالية مناسبة للشراء.
فيكون المشهد أن كل الاطراف لديهم رؤى مغايرة تماما عن بعضهم البعض، ويسبب هذا عدم التقاء قوى العرض والطلب فيحدث ما يسمى Economic pause أو الشلل الاقتصادى وهو شىء مختلف تماما عن الركود.. فالركود يكون ناتج عن ضعف القوى الشرائية للمستهلك، أما الشلل الاقتصادى فيكون بسبب اختيار الأطراف ــ عن عمد ــ عدم الانتاج او الاستهلاك بسبب اختلاف الرؤى. الخروج من الشلل الاقتصادى هو أصعب بكثير من الخروج من الركود لأن العامل النفسى هو الذى يلعب الدور الأكبر به ويكون من الصعب للغاية السيطرة عليه، لذا يصبح من الأفضل تجنب الوصول إليه عن طريق استقرار أسعار الصرف.

اقتراح تكوين «لجنة سعر الصرف»!
إذا كانت البنوك تسعر الدولار من خلال رؤية قصيرة الأجل بدون النظر إلى المدى المتوسط والبعيد وبالتالى تحدث تلك التحركات الحادة.. فهذا يضع الاقتصاد المصرى فى موقف خطير للغاية، مما قد يصعب أكثر من الأزمة الحالية. فهل علينا أن نتساءل إن كان تسعير العملة بوضعها الحالى دقيق؟ وإن كان غير دقيق، فما هو الحل؟
أقترح تكوين لجنة تسمى «لجنة سعر الصرف» وتتكون هذه اللجنة من 22 عضوا: 5 اقتصاديين، 5 ممثلين عن مجال الاستيراد، و5 ممثلين عن مجال التصدير، و5 ممثلين عن أكبر 5 بنوك فى مصر، ممثل عن البنك المركزى، وممثل عن مجلس الوزراء.
يضع الاقتصاديون الرؤية المستقبلية للاقتصاد المصرى على المدى المتوسط والمدى البعيد وتكون المسئولية وضع الـBase Case Scenario سيناريو لـ6 أشهر وعام كامل بعد وضع كل المتغيرات فى الاعتبار. من الطبيعى ألا تتغير تلك الرؤية الا بعد وجود متغيرات جذرية وهؤلاء الـ5 اقتصاديون يضعون رؤيتهم لاسعار الصرف من هذاالمنظور. ومن ثم يضع الـ10 ممثلون عن الاستيراد والتصدير رؤيتهم وتكون ناتجة عن توقعاتهم لتفاعل المستهلك داخل مصر وخارجها مع أسعار المنتجات، تضع أيضا البنوك توقعاتها لسعر الصرف على المدى القصير. ويضع ممثل البنك المركزى وممثل مجلس الوزراء ايضا توقعاته.
يتم حساب متوسط الـ22 تقدير ويتم استخدامها من قبل البنوك كمؤشر إلزامى. ويسمح للبنوك بهامش 10% للتحرك. تجتمع هذه اللجنة مرتين كل شهر وبعد مرور 6 أشهر تجتمع اللجنة مرة كل شهر فقط لبحث المستجدات مع إمكانية الدعوة لإجتماع طارئ مع حدوث أى متغيرات جذرية.
أظن أن النتيجة الصادرة من تلك اللجنة وبعد مشاركة جميع الاعضاء ستكون أقرب إلى السعر العادل للعملة تسمح باستقراره فى منطقة معينة مع وجود تذبب بسيط يكون ناتجا عن المتغيرات الموسمية المتعارف عليها بالسوق المصرية كل عام. إن «لجنة سعر الصرف المقترحة ذات الكفاءات المتنوعة» هى ليست مخالفة لمبادئ سعر الصرف الحر، فأعمال هذه اللجنة ستستمر لحين وصول الاقتصاد المصرى لمرحلة أكثر تطورا وأكثر نضوجا، ثم تتحول إلى لجنة استشارية دائمة. فالأحداث غير العادية تتطلب إجراءات غير عادية.

نعمان خالد محلل اقتصاد كلى فى شركة سى آى كابيتال لإدارة الأصول