«مدام حنان بتاعة السكر»! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 11:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«مدام حنان بتاعة السكر»!

نشر فى : الأحد 26 مارس 2017 - 8:45 م | آخر تحديث : الأحد 26 مارس 2017 - 8:45 م

ما نحتاج إليه بشدة أن نضرب بقوة على أيدى الفاسدين والمجرمين وعديمى الكفاءة، والذين يتمسحون فى عبارة «تحيا مصر» زورا ونفاقا فى معظم المؤسسات والهيئات العامة والحكومية.
فى الأول من فبراير الماضى نشر موقع «اليوم السابع» تقريرا كان عنوانه: «بالفيديو.. مسئول مجمع استهلاكى لهيئة الرقابة الإدارية: مدام حنان فى التموين قالتلى خزن السكر».
وفى تفاصيل الموضوع أن مكتب الرقابة الإدارية فى السويس نظم حملة قادها الرائد كريم الشريف عضو مكتب الرقابة بالمحافظة، بإشراف اللواء باسم السبكى مدير المكتب بالمحافظة، وضبطوا «سكر» مخزنا بأحد المجمعات الاستهلاكية بشارع الجيش أثناء أزمة نقص السكر، وقال موظف المخزن للحملة: «إن موظفة تدعى مدام حنان بمديرية التموين هى من أصدرت له الأوامر من أجل أن يخزن السكر بالمجمع».
عضو الرقابة الإدارية حرر محضرا وسجل اعتراف الموظف تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القانونية. وإذا صحت الواقعة فإن مدام حنان، ليست مجرد شخص أو حادثة أو جريمة فردية، هى حالة متكررة أقرب ما تكون إلى الظاهرة، تنتشر فى أماكن وهيئات ومؤسسات كثيرة، وتجعل المواطنين العاديين «يكفرون» بكل ما هو صحيح وسليم وقانونى.
كتبت فى هذا المكان قبل ذلك، وأكرر اليوم أن هناك مشكلة ضخمة فى قطاعات محلية كثيرة تتعلق بتسرب الدعم وسرقته من قبل شبكة لصوص، متداخلة ومتشعبة فى تلافيف الدولة.
ذات مرة كنت فى إحدى قرى أسيوط، وقال لى أحد المواطنين إن زجاجة الزيت التى يفترض أن يتسلمها فقير مثله بسعر مدعم تختفى بقدرة قادر ثم تظهر فجأة فى رفوف المحلات الخاصة بالسعر الحر، وفارق السعر يتم تقاسمه بين بعض «شبكة الفساد الصغير» من أول البقال إلى مفتش التموين وما بينهما من طابور طويل من السماسرة والمحلات الخاصة، والخاسر الأكبر هو المواطن الفقير وميزانية الدولة.
بالطبع ليس كل البقالين أو مفتشى التموين فاسدين، لكن قطاعا منهم صار عصيّا على الإصلاح والتقويم، لأن المراقبة منعدمة، والمحاسبة غائبة والمثل يقول «من آمن العقوبة أساء الأدب!».
«مدام حنان» نموذج موجود فى قطاعات كثيرة وليس مقصورا فقط على المجمعات الاستهلالكية، مثل محطات الوقود، فالموظف الذى يفترض أن يراقب هذه المحطات للتأكد من جودته وعدم خلطه بالماء، ثم عدم تسربه لمصارف أخرى، هذا الموظف يسقط فى شباك صاحب المحطة الفاسد والنتيجة يدفعها المواطنون الفقراء الذين هم فى أشد الحاجة لهذا الوقود المدعم.
نموذج مدام حنان تراه موجودا فى بعض أصحاب المخابز الذين استغلوا «الكارت الذهبى» فى غير محله، وحققوا مكاسب ضخمة، عوضوا بها خسارتهم الباهظة، حينما بدأت منظومة الخبز فى الدوران، وليس مستبعدا أن يكون لهم دور فى تشجيع مواطنين على التظاهر قبل أسابيع قليلة، حينما ألمحت وزارة التموين إلى إلغاء هذا الكارت الذهبى، وإعطاء مهلة لحاملى البطاقات التموينية الورقية لاستبدالها ببطاقات ذكية.
هناك أيضا شبكة بعض العاملين فى الشرطة، وهؤلاء حتى لو كانوا شرفاء فيكفى أن يعطلوا تطبيق القانون ولا يؤدوا واجبهم، فيقع الفساد.
وإذا كان هناك فاسدون كبار بدرجة حوت أو حتى تمساح فإن الدرجات الأخرى مثل السردين البساريا تظل خطيرة جدا لأنها نماذج تتخفى خلف الأدراج والمخازن، وتمارس السرقة المنظمة ليل نهار.
الخطر الحقيقى لنموذج مدام حنان، أنه يجعل غالبية المواطنين خصوصا البسطاء يكفرون بكل ما هو صحيح وقانونى، وهذه البيئة هى أفضل مناخ لانتشار العنف والتطرف والإرهاب.
بهذه الطريقة ومع نموذج مدام حنان فإن العدو ــ مهما كان اسمه سواء إسرائيل او التطرف والإرهاب ــ قد ضمن بيئة مثالية كى يستمر ويتعملق وينتشر وسط الناس.
مقاومة الفساد الصغير والكبير هو الخطوة الجوهرية لهزيمة التطرف والإرهاب وكل طابور الأعداء.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي