القرآن فى شهر القرآن - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القرآن فى شهر القرآن

نشر فى : الجمعة 26 يونيو 2015 - 11:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 26 يونيو 2015 - 11:05 ص

لا يختلف عقلاء الدنيا أدنى اختلاف حول قداسة القرآن، وسمو القرآن، وتميز القرآن على سائر ما عداه. فالقرآن الكريم قد تزايد كرمه فعم الناس بأشعة أنواره، فأشرقت الأرض بنور ربها، وازينت السماء باحتضانها لمهبط الوحى، وأضاءت قلوب كل من اقترب من القرآن تاليا أو مستمعا أو باحثا بإنصاف.

ــ1ــ
وتتجلى قداسة القرآن فى عدة نواح، فأى باحث منصف يقرأ القرآن ويستمع له لا يتردد فى إعلان علو القرآن، فلا يستطيع إنس ولا جن أن يأتوا بمثل هذا القرآن سواء فى شموله لرعاة النفس والأسرة والمجتمع والأمة بل والإنسانية جميعا «قُلْ لَئن اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بمثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بمِثْلِهِ». كما أن القرآن يرفع قارئه وسامعه فوق ماديات الدنيا، كما يلقن القرآن العقول سيادتها على سائر المسخرات، كما يلهم العقول طريقها إلى التعرف على ربها ورسائلها فى مرضاة الله وطاعته، ويؤكد للنفس أن لا واسطة بينها وبين ربها، فتشعر النفس بإنسانيتها وأنها أقرب إلى الملائكية والشفافية والعروج إلى الله كلما سبحت وكبرت، أو كلما قرأت القرآن أو استمعت له «قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِين». وتتأكد قدسية القرآن حينما تراه يعطيك دون أن يأخذ منك شيئا، وتراه يأخذ بيدك إلى الكمال دون تعجيز أو إرهاق، وتراه يفتح أبواب القبول والخلود لكل نفس حسب قدرتها «لَا يُكَلِفُ اللَهُ نَفْسا إِلَا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرا». ومع القرآن ترى نفسك تقتحم خلوات الأنبياء والمرسلين، تسمع لهم وتتعلم منهم وتقتدى بهم ولا يسألونك مقابلا على ذلك.

ــ2ــ
أما سمو القرآن الكريم فتراه واضحا حين يحنو على المستضعفين ويأخذ بأيديهم، كما يروع المتجبرين وينكل بهم فى الدنيا وينذرهم بعذاب الآخرة. كما ترى سمو القرآن حين يحيطك ببركات ربك سبحانه، فما من خير تعمله إلا ويضاعفه لك «كَمَثَلِ حَبَةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَةٍ وَاللَهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ». إلى هذا الحد بل وأكثر منه، فالقرآن قد قرر أن مكافأة الله تتجاوز أى حساب «يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ». كما ترى القرآن يغمرك بخيره مباشرة مع أول اقتراب منه، فكل حرف تقرأه من القرآن له عشر حسنات، هكذا عطاء مقدم، وإذا كنت مستمعا فلك أكثر من هذا الثواب «وإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَكُمْ تُرْحَمُونَ». وإذا أرخينا العنان للقلم ليشير لبعض دلائل سمو هذا الكتاب الفرد، فلن نحيط إلا ببعض ذلك، فهنيئا لمن تعلق قلبه بحب القرآن وازدان لسانه بتلاوة القرآن أو تشرفت أذنه بسماع القرآن. هنيئا له فقد دخل على العلى الكبير جل جلاله من أوثق الأبواب وأوسعها.

ــ3ــ
أما تميز القرآن على غيره، فذلك ما لا يخفى على أحد، فالملايين من البشر يحفظونه طواعية ورغبة، والمشرعون لا يستطيعون تجاهله وإلا جاءت قوانينهم هدرا لا تفوز برضا الناس واحترامها، بل لا تجد من يلتزم بها ويوقرها، أما علماء النفس والأخلاق فهم مع القرآن فى فضاء فسيح من كريم الأخلاق وضوابط السلوك «وَلْتَكُن مِنكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ». هكذا فالقيم العليا للسلوك هى الخير والمعروف أو العدل والإحسان «إِنَ اللَهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْى ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَكُمْ تَذَكَرُونَ».

ــ4ــ
هكذا ترى القرآن لا يزكى جنسا على سائر الأجناس، ولا يحابى عرقا ولا قومية على سائر البشر، ولا يدع الأموال محصورة فى يد فئة، ولا يطلق شهوات البعض ترصدا وحقدا على الآخرين. هكذا ترى القرآن يسرى من فم القارئ إلى أذن السامع فيدخل القلب دون استئذان، ويوقظ العقول دون هياج. هكذا يحق القرآن الحق دون إكراه أو إسالة دماء. ويبطل الباطل دون تعقب ولا مؤاخذة على ما فات، فالقرآن هو كتاب الثواب الذى وعد العائدين بالعفو والتوبة، وهو كتاب العليم الذى يفتى الباحث عن الحقيقة، وهو كتاب الرحمن الرحيم الذى يرعى نفس الإنسان فى جميع أحوال ضعفها وقوتها. فلا تحرمنا ربنا من أنوار كتابك ومن بركات رحماتك، ومن خيرات شريعتك ولو تنطع المتنطعون أو كره الكارهون.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات