عوائق تجديد الخطاب الديني.. 22ــ قصور الفكر والفقه الدعوى - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عوائق تجديد الخطاب الديني.. 22ــ قصور الفكر والفقه الدعوى

نشر فى : الأحد 26 يونيو 2016 - 9:20 م | آخر تحديث : الأحد 26 يونيو 2016 - 9:36 م
خسر المسلمون خسارة بالغة حينما غفلوا عن القرآن الكريم، وزاد تحمسهم سواء للاجتهاد الفقهى من ناحية، أو للروايات الحديثية من ناحية أخرى، وكان الواجب الأصيل أن يقاس الاجتهاد الفقهى بمدى استنباط من قيم الشريعة، كما تقاس صحة الحديث النبوى بمدى توافق وتقاربه مع قيم الشريعة والمبادئ القرآنية.
ــ1ــ

وقد خسر المسلمون حينما توهموا صحة بعض المقولات وتداولوا على أنها حقائق لا تقبل المناقشة، وأضخم تلك الأوهام هو «خلو القرآن المكى من الفقه» وكأن 86 سورة مكية قد خلت من الفقه اللهم إلا الصلاة وإشارة إلى الزكاة! وحقيقة القرآن المكى تناقض تلك الفرضية. إذ تولى القرآن المكى، تأسيس أصول الفقه من خلال إرساء القيم الإسلامية كإطار عام لا يخرج التدين عنه، كما أسس القرآن المكى الغاية العليا للشريعة وهى التوحيد. كما رسم الوجهة العامة للشريعة وهى الإعمار طريقا وكرامة الإنسان طريقة وسلوكا. كما أن القرآن المكى قد اعتنى أشد العناية بـ«مقاصد الشريعة». لذلك استكفى العصر النبوى بالقرآن فلم يكتبوا غيره وكذلك العصر الراشدى، كما عاش المسلمون أكثر من قرن ونصف قبل أن يسطر الشافعى رسالته فى الأصول. ومع بالغ التقدير للشافعى رضى الله عنه ورسالته، إلا أن الأمة قبله كانت على علاقة مباشرة بالقرآن ولم تكن مقصرة فى أصول الفقه أو فروعه.

ــ2ــ

من أهم ملاحظاتنا على الفكر والفقه الدعوى، أنه يتغافل عن الأصول القرآنية للدعوة، تلك الأصول التى سطرها القرآن الكريم، وتولى تفعيلها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالدعوة فى أول الأمر وآخره تسعى لتحقيق التعارف بين شعوب العالم بغض النظر عن اختلاف العقائد والثقافات. ثم ترتقى الدعوة من التعارف إلى التقارب والتبادل ثم إلى التكامل، وكل تلك المراحل وسيلتها الحوار اليقظ وحب الخير للآخر، والانفتاح على الجميع حيث قرر القرآن «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..»، وقال القرآن: «..وَقُولُوا لِلنَاسِ حُسْنا..»، وقال: «..إِنِى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا..». كما بين القرآن من صلاحيات النبوة فى «التبشير والإنذار والبلاغ والتعليم والشهادة». كما أكد القرآن حرية الإنسان الكاملة، حيث إن الرسول «..لَسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ» وأيضا «..وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ»، فهل يلتزم الخطاب الدعوى تلك الأصول القرآنية؟!

ــ3ــ

كذلك فإن قصور الجهاد الدعوى شديد الوضوح فى مجال «نشر اللغة العربية» حقيقة لا تحتاج إلى تدليل. فالقرآن الكريم أكد مرارا متعددة على عزوبة القرآن، ومعنى ذلك أن تقوم سياسات الدعوة على جناحين: أحدهما ترجمة المعانى والأفكار، والآخر تبسيط اللغة العربية والإنفاق كثيرا على نشرها، وبذل الغالى والرخيص لجعلها لغة عالمية سقفها «القرآن الكريم» وليس ما حدث فى كتب التراث اللغوى. وقد انتهى الأمر إلى أن مدارس الدعوة وجامعاتها قد أهملت الدرس اللغوى واستسلمت راضخة للتراث كأنه قدر منزل لا فكاك منه، ولهذا تخلف الخطاب الدعوى وتقوقعت الأمة وانحسرت عن بعض حدودها وبلادها.

ــ4ــ

إن الخطاب الدعوى الرشيد لابد وأن ينسج على منوال القرآن من جزالة الألفاظ وقصر العبارة، ووضوح المقصد، وسهولة الفكرة على مختلف الأعمار «الأطفال/ الصبية/ الفتيان/ الرجال والنساء»، وأيضا مختلف الثقافات «الأمى/ المؤهلات المتوسطة/ المؤهلات الجامعية.. إلخ». أما أن يصدر الخطاب الدعوى دون مراعاة لهذه الفوارق، فذلك تقصير سيحاسبنا ربنا عليه.

ــ5ــ

وأيضا فلايزال الخطاب الدعوى حبيسا فى الخطبة والمحاضرة والدرس، ولم تستخدم القوالب الأدبية الأخرى الاستخدام الملائم. فالمقصوصة والرواية والمسرحية والفيلم «درامى أو كوميدى» والفيلم التسجيلى، والتقارير والمسلسلات بتنوعها. كل تلك الأدوات لايزال الخطاب الدينى فقيرا فيها ومحتاجا إليها، فهل من معين؟!
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات