«المتدرب».. روبرت دى نيرو - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 5:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«المتدرب».. روبرت دى نيرو

نشر فى : الإثنين 26 أكتوبر 2015 - 3:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 أكتوبر 2015 - 3:25 ص

فيلم ناعم، منسوج بخيوط من حرير، ينساب برقة على الشاشة. يتلمس، بمحبة، مشاعر بطلة، ويتكر، المتقاعد منذ عشر سنوات، بأداء شفاف آسر، من المتمكن، روبرت دى نيرو، الذى من الواضح أنه وجد فى «المتدرس» ما يعبر عن وجدانه، لذا، فإنه على غير عادته، تحدث عدة مرات، بحميمية، عن الفيلم. معلنا أنه يهديه لجيله، ممن عاشوا ثلاثة أرباع القرن، على كوكبنا. وواصل: حين يصل المرء إلى مرحلة عمرية متقدمة، ينتابه الإحساس بأن دوره فى الحياة لم يعد مهما، وهذا غير صحيح بالمرة.

روبرت دى نيرو «٧٢ عاما»، والمخرجة كاتبة السيناريو نانسى مايرز «٦٦ عاما»، ذات الخبرة العميقة بأصول وأسرار فنها، يتابعان، بقلب يقظ، تفاصيل سلوك وانفعالات «ويتكر»، الذى يبدأ به الفيلم، قبل ومع ظهور العناوين، وهو يقدم نفسه، أثناء تجواله فى شوارع المدينة، وشرائه لحاجياته من سوبر ماركت، وزيارته لابنه كى يرى حفيده، ويخطرنا أنه أصبح وحيدا بعد وفاة زوجته منذ ثلاثة أعوام. يقع نظره على إعلان ورقى، يطلب «متدربين»، فى السبعينيات من أعمارهم، للعمل فى شركة أزياء جديدة، تبيع منتجاتها عن طريق «الإنترنت».. يقرر خوض التجربة.

ويكر، أوروبرت دى نيرو، يتهيأ للذهاب، لا يفوته ضبط أكثر من «منبه» كى يوقظه مبكرا. يرتدى بذلة كاملة، أنيقة، تبدو غريبة وسط ملابس شباب العاملين فى الشركة، حيث الفانلات، البناطيل الجينز. أمام كل منهم، على المكتب جهاز الكمبيوتر، الذى لا يعلم عنه ويتكر إلا أقل القليل. صاحبة الشركة الشابة، المتوترة، المشغولة دائما، بأداء «آن هاثاواى»، تتعامل مع «ويتكر» بطريقة لا تخلو من استخفاف، ولكن توافق على أن يغدو «متدربا» فى شركتها.

الفارق واسع بين «ويتكر»، وزملائه الشباب.. ليس فى الملبس فحسب، بل فى نوعية الخبرات.. كان يعمل مشرفا على طباعة دليل التليفونات البالغ الضخامة، وهو عمل انقرض مع الدليل، لأن «جوجل» حل مكانه. وبينما أصابع الجميع، تعمل بمهارة، على الكمبيوتر، لا يفوت دى نيرو أن يبتسم فى خجل وهو يستخدم أصبعا واحدا، مترددا، على الجهاز الذى أمامه.

ويتكر، ابن خمسينيات وستينيات القرن الماضى، صاحب خبرة بالحياة، والسلوك الإنسانى، والقدرة على تفهم دوافع وسلوك الآخرين، على نحو يكتشفه الشباب، المرة تلو المرة، فضلا عن تحليه بفضيلة الأبوة التى يغدقها على الجميع، وبالتالى، تتسلل المحبة إلى قلوبهم، ويغدو، بالنسبة لهم، مرجعية لا يمكن الاستغناء عنها.

الفيلم قائم على التفاصيل الصغيرة، فمثلا «ويتكر» يستخدم المنديل القماش، الذى كان له تاريخا طويلا فى المسرح، حيث منديل ديزديمونة، فى «عطيل» شكسبير، وفى الأغانى، عند محمد عبد المطلب وعبد العزيز محمود، وعلى شاشة السينما، حين دأب كلارك جيبل على تجفيف دموع فيفيان لى بمنديله فى «ذهب مع الريح». هنا فى «المتدرب»، تقاطع سكرتيرة المديرة حبيبها الخائن الذى يريد العودة لها بأى ثمن وبأى طريقة. وفى أحد المواقف تنتاب الفتاة نوبة انهيار وبكاء لأنها مهددة بالفصل عن العمل. حينها، يعطى «ويتكر» منديله القماش إلى الشاب كى يمسح دموع المنهارة، التى تحس فى سلوكه بنوع من التعاطف فتضع رأسها على صدره. الشاب ينظر بامتنان لروبرت دى نيرو.
المنديل القماش فى الفيلم، وعند المخرجة المقتربة من السبعين، أعمق وأكثر حنانا وخصوصية من المناديل الورقية العامة.

«المتدرب»، لا ينحاز للقديم ضد الحديث، ولا يفضل الحاضر عن الماضى. العلاقة بين الأجيال قائمة على التواصل وليس الصراع، كلاهما يملك ما يفتقر له الآخر. «آن هاثواى»، الجادة إلى حد الصرامة، المتفوقة فى عملها، الناجحة تماما، تكاد تفشل فى بيتها. زوجها، المستكين، يقوم بكل أعمال البيت، بعد تخليه عن العمل، يطبخ، يجهز القهوة، يذهب بطفلتهما إلى المدرسة. لكنه يخونها مع امرأة لا نعرفها، نراها من بعيد، ويراها معنا «ويتكر»، الذى يقرر معالجة الأمر، من دون أن يفصح لزوجته عما رآه. لكن الزوجة تعرف. تلجأ للصدر الحنون «ويتكر»، الحكيم، الذى يهدء من روعها، يخفف عنها، ويجعلها مهيزة للغفران.

التسامح، قبول الآخر، الرحمة، التواضع، قيم تحرك سلوك بطل الفيلم، وهذا لا يعنى أنه زاهد، أو ضعيف، أو أنه ميت الرغبات، ولكنه يعرف كيف يختار، ومتى يتقدم. فها هو يتعامل كـ«جنتل مان»، مع إخصائية التدليل، بأداء الممثلة الستينية التى لم تفقد جمالها بعد، رينيه روسو، التى نراها خارجة من مسكنه صباحا، والواضح أن أسلوب المخرجة، الذى يجمع برقة، وذوق رفيع، بين الكوميديا والرومانسية، تحاشت الخوض فى تفاصيل تلك العلاقة، واكتفت بعلامات البهجة المرتسمة، بشفافية، على وجهيهما.
«المتدرب». أنشودة للحياة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات