يوسف أبورية الذي أكله الذئب - وائل قنديل - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 1:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يوسف أبورية الذي أكله الذئب

نشر فى : السبت 27 يونيو 2009 - 4:33 م | آخر تحديث : السبت 27 يونيو 2009 - 4:33 م

 لا تصدقوا أن هذه الدولة بوضعها الحالى تمنح جوائزها للمبدعين والمثقفين.. ولا تصدقوا أنها مشغولة أصلا بالإبداع والثقافة.. ويكفينى الراحل الجميل يوسف أبورية دليلا على ما أقوله أو أزعمه، أو أدعيه كما قد يصف العاملون على حظيرة الثقافة المصرية كلامى.

يوسف أبورية القاص والروائى الفذ الذى منحوه جائزة التفوق بعد رحيله المأساوى، هو ذاته يوسف أبورية الذى رحل عن هذه الدنيا لأن هذا الوطن الجميل الكذاب رفض أن يفتح درج مكتبه ويخرج مبلغا تافها لعلاج أديب من أجمل أبنائه.
يوسف أبورية الذى ذهبت إلى اسمه أصوات أعضاء لجنة الجوائز تعتذر وتطلب العفو والمغفرة منه، هو ذاته يوسف الذى رفضوا أن يفرجوا عن جزء ضئيل من 20 مليون دولار أو جنيه، لا يهم، تبرع بها حاكم الشارقة لعلاج الأدباء والكتاب فى مصر.

يوسف الذى لم يضبط يوما متلبسا بالرقص فى مهرجان ثقافى رسمى، أو يقف على باب مسئول طالبا منحة تفرغ أو ما شابه من عطايا الحظيرة.

يوسف الحرفوش النبيل الذى مر كالنسيم على الثقافة المصرية تاركا وراءه رصيدا هائلا من المجموعات القصصية والروايات مات.. مات لأن زملاءه وأصدقاءه طرقوا كل الأبواب وكادوا يقبلون أقدام كلاب السكك حتى يرق قلب هذا الوطن ويعالج واحدا من أروع أبنائه من سرطان الكبد، غير أن الوطن كان ومازال وسيظل مشغولا بما هو أهم، فيوسف ليس لاعب كرة ولا ممثل درجة ثانية، كما أنه لم يكن من السائرين فى مواكب المبايعة، ولا من الراقصين فى موالد النفاق.

ولا أدرى ماذا دار من حوار داخل أصحاب الأصوات الاثنين والأربعين التى منحت يوسف أبورية جائزة التفوق، هل سألتهم ضمائرهم أين كنتم عندما اختطف الموت يوسف لأن «الدولة» وضعت إصبعيها فى أذنيها حين علت الأصوات تطالب بعلاجه على نفقة المواطن العادى دافع الضرائب وليس الحكومة؟

هل شعروا بالخجل وهم يكافئون روح يوسف بعد أن تركوا جسده تنهشه سباع المرض ووحوش البيروقراطية والبلادة الحكومية؟

هل توقفوا قليلا أمام جوهر العلاقة بين الدولة ــ الحالية ــ والمثقف؟

هل أدركوا أن المثقف والثقافة ليسا أكثر من منديل مزركش تضعه الحكومة فى الجيب الأعلى لبذلتها شريطة أن يكون متناغما مع لون رابطة العنق؟ أو فى أفضل الأحوال وردة صناعية تضعها فى مداخلها الرخامية أثناء الاستقبالات الرسمية لضيوف من الخارج؟

هل سألوا أنفسهم لماذا تركوا أخاهم يوسف وحيدا فى مرضه حتى أكلته ذئاب الروتين الحكومى وافترسته أبجديات التعامل الرسمى مع المثقفين باعتبارهم كائنات خطيرة ينظر لها بمنتهى التوجس والارتياب، إلا من دخلوا الحظيرة جبرا أو اختيارا؟

أكاد أسمع صوت يوسف الآن يسخر من مانحيه الجائزة ويقول إن خطوات أقطعها فى مظاهرة لكفاية، أو مساهمة فى رابطة المثقفين المستقلين بألف جائزة مما تعدون.

وائل قنديل كاتب صحفي