الإنسان ذلك المعلوم 22 ـ الخاتمة - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 22 ـ الخاتمة

نشر فى : الجمعة 27 يونيو 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 27 يونيو 2014 - 7:50 ص

(1)

على امتداد أكثر من خمسة أشهر اقتصرت هذه النافذة على موضوع (الإنسان ذلك المعلوم) وقد جاء ذلك العنوان فى علاقة تضاد مباشر مع كتاب «الإنسان ذلك المجهول» الذى صاغه العلامة «أليكسس كاريل».

وهذا الكتاب الذى درس زوايا متعددة فى شخصية الإنسان كانت قبل دراسة «كاريل» غامضة ومجهولة.

وقد توقف العلامة «أليكسس كاريل» «حامل نوبل» أمام بعض الظواهر فى كيان الإنسان انطلاقا من تخصصه الرفيع كطبيب جراح أتاح له تعامله فى مئات الجراحات أن يرى جوانب كثيرة من «بنيان الإنسان» كان يلفها الغموض قبل تصديه لبحثها، خصوصا فى منطقة الفسيولوجى (علم وظائف الأعضاء) منتقلا منها إلى دراسة النشاط العقلى (وظائف العقل) مقترحا فى نهاية رحلته ضرورة إنشاء علم جديد سماه «علم الإنسان» يختص بإعادة صياغة الإنسان.

هذا أهم ما احتوى عليه كتاب «كاريل» كنتيجة لتخصصه كطبيب ثم جراح وأستاذ بيولوجى وبعد ذلك حصل على نوبل فى الفسيولوجى (علم وظائف الأعضاء)، فهو علاقة بارزة فى دراسة الإنسان، كما يعتبر مساهمة قيمة من الحضارة الغربية الأوروبية فى الحضارة العالمية.

(2)

ولفظ «المجهول» لفظ علمى يجد مكانه فى الفقه الإسلامى، حيث إن «المجهول» هو «أمر قابل للبحث والدراسة والوصول إلى نتيجة»، فالشريعة الإسلامية تعرف وتعترف وتفرق تفرقة واضحة بين لفظ «الغيب» ولفظ «المجهول». فالغيب أو الغيوب كما يتضح من القرآن الكريم ينقسم إلى مستويين: «غيب مطلق» و«غيب نسبى».

فـ«الغيب المطلق» هو ما يتعلق بالذات الإلهية وبالكائنات الغيبية وباليوم الآخر، أما «الغيب النسبى» فهو ما يتعلق بغالبية ما خلقه الله من المسخرات التى ملأ بها خزائن السماوات والأرض: (..وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..) حيث تبقى هذه المسخرات غيبا محدودا سواء بذاتها أو بوظائفها لمدد زمنية قد تقصر أو تطول حتى يحل أجل ظهورها وإذن الله لها ببداية الظهور والاستعمال فسرعان ما تتكاتف الأسباب مع الأقدار مع رغبات البحث العلمى إلخ فيبدو ما كان مختفيا ويظهر ما كان مجهولا، فكل الغيوب النسبية ليست غيبا مطلقا بل مجهولات تنتظر موعد ولادتها وظهورها وذلك فيما يسميه الناس «اكتشاف» أو «اختراع» أو «سبق علمى».

(3)

و«أليكسس كاريل» حامل نوبل قد صاغ كتابه «الإنسان ذلك المجهول» لإظهار ناحية من نواحى شخصية الإنسان كان يغلفها «الغموض» ويحيط بها «قلق البحث» وهذا سلوك إنسانى رشيد، إذ يتفرغ الإنسان ويتصدى لبحث الظواهر والمقومات الغامضة فى «الشخصية الإنسانية» ليكتشفها ويحيط بها علما ويعرف تعليلات وأسباب ما تؤديه من وظائف، ويجرى عليها تجارب وبحوثا ليتعرف الإنسان على ذاته وقدراته فيرسم أيسر الطرق لسعادة نفسه.

(4)

أما «الإنسان ذلك المعلوم» الذى سطرناه فى هذا المكان طوال الأشهر الخمسة الماضية فهو نتاج استخراج مباشر من القرآن الكريم، أى أن محتوى ما سقناه من معلومات جاء من مصدر يقينى هو القرآن الكريم، كتاب الخالق الذى خلق الإنسان وأحاط علما بمكوناته ووظائفه وصلاحيته وكيفية صيانته إذا أصابه العطب. قال تعالى (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ).

فعلى هذا اشتمل (ذلك المعلوم) على قدر لا بأس به من المعلومات النفسية (السيكولوجية) إذ درست «الإرادة الإنسانية» وحريتها الكاملة حتى يطلع الإنسان بمسئولياته عن إعمار الحياة وتكريم نفسه. كذلك درسنا بعض الأمراض النفسية مثل الغرور والعجلة، والكبر.

كما أشارت المعلومات النفسية المستقاة من القرآن الكريم إلى «طبيعة الضعف الإنسانى» وأنه ضعف مطلوب ومحسوب يتوافق مع تدرج نموالإنسان وتدرج علاقاته بما حوله من كائنات. كما أن (ذلك المعلوم) قد أوضح قيمة الإنسان وكرامته التى اختصه الله بها، وأنه كذلك فى دنياه يقطع الطريق إلى نهاية أجله متمتعا بكرامته، مهيمنا على سائر المسخرات، ونسأل الله أن يوفقنا فى جمع هذه المقالات وإصدارها فى كتاب خاص.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات