عوائق تجديد الخطاب الديني - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عوائق تجديد الخطاب الديني

نشر فى : الإثنين 27 يونيو 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 29 يونيو 2016 - 11:24 ص

«المذهب» أى «مذهب» سواء كان مذهبا دينيا سواء كان «مذهبا فقهيا معروفا» مثل: (الحنفى/ المالكى/ الحنبلي/ الظاهرى/ الزيدى/ الاثنى عشرى/ الأباضى) أو كان مذهبا اغتقاديا مثل: (أهل السنة/ المعتزلة/ الشيعة/ الخوارج.. إلخ). كل تلك المذاهب مهما كان مؤسسه ومهما كثر اتباعه وانتشر فهو ليس «دينا» ولا «مقدسا».. ولا يزيد أى مذهب عن مجرد «طريق مختار» لتلقى تعاليم الدين وتنفيذها. فمصطلح المذهب يعنى: «طريق يذهب فيه الناس لممارسة تعاليم دينهم»، وقد انتشرت بعض المذاهب مثل المذاهب الأربعة، وسر انتشارها هو: قدرة تلك المذاهب على تيسير التعاليم وإقناع الأفراد بوجهة نظرهم فضلا عما تميز به رأس المذهب من شخصية محترمة موقرة، وكان حرصه على التثبت من حقائق التدين من ناحية وحرصه على فهم واقع الناس من ناحية أخرى مع دوام حرصه على تجنب الظهور وتجنب الجدل وتجنب الوصولية.. أى الحرص على وجود مسافة واضحة بينه وبين سلطات الحكم، فلا يسع للحصول على عطاياها، ولا يشارك فى صنع قراراتها، ولا يشكل تنظيمات أو جماعات للتصدى لمناوءة السلطات..هكذا وفى وضوح تام هو «معلم» يتسع وقته لتعليم من يريد وحسب..

ــ1ــ

هكذا بدأ ظهور المذاهب الفقهية حينما تداول الناس أسماء: أبوحنيفة أو مالك بن أنس أو محمد بن إدريس الشافعى، فهؤلاء الثلاثة قد بذلوا كل ما أمكنهم لتحقيق غرضين قريبين، هما: 1ــ دقة المقارنة بين الأساتذة والشيوخ والأئمة واختيار أفضل ما عند الجميع دون إفراط أو تفريط مستندين فى اختيارهم إلى «القرآن الكريم» وأشهر الصحيح من مرويات الحديث النبوى. ثم 2ــ توليف وتأليف هذه البضاعة المختارة فى شكل منهج متكامل مقنع يتوافق مع ظروف البيئة وقدرات الناس. وحيث إنهم احتفظوا دائما بالمسافة الواسعة بينهم وبين أهل السلطة، فلا اقتراب منهم، ولا جدال معهم، ولا سعى ولا طمع فى هداياهم ووظائفهم ولا تحريض عليهم.. فهم دائما يعلمون طالب العلم ماذا يجب عليه أن يعلم.

ــ2ــ

وقد أضاف بعض الناس بعض الناس إماما آخر إلى هؤلاء أحمد بن حنبل معتبرين أن تمسكه بظاهر روايات الحديث فى حد ذاته مذهبا.. مع أن الرجل ــ رضى الله عنه ــ لم يفكر فى تلك الإمامة الفقهية، ولم يعرها أى انتباه، ولكنه فرغ حياته لجمع روايات الحديث النبوى أولا، ثم نقدها وبيان درجة صحتها وترك للناس مرجعا فى الحديث النبوى عامة وهو «مسند أحمد».. تلك البضاعة القيمة التى اختار غالبية الناس لها المرتبة الثامنة بين مراجع الحديث، حيث رتب غالبية أهل الشرق والغرب مدونات الحديث النبوى هكذا: 1ــ البخارى 2ــ مسلم 3 ــ موطأ مالك 4 ــ الترمذى 5 ــ ابن ماجة 6ــ النسائى 7ــ أبوداوود 8 ــ مسند أحمد وذلك بين تقديم وتأخير بين 03ــ79 من بيئة لأخرى.

ــ3ــ

ثم بذل بعض المجتهدين جهودا جبارة لصياغة المذهب الحنبلى وجعله مذهب مع الثلاثة المشهورة، أبرز من تحمل هذا العبء هم أ/ ابن تيمية ب/ ابن القيم جـ/ ابن القيم أو ابن قدامة وقد رزقهم الله فى إخراج مرجعين يمكن الاعتماد عليها. وهما كتاب «المغنى» لابن قدامة وكتاب «إعلام الموقعين» لابن القيم، أما تلك الثروة الضخمة المجموعة فيما اشتهر بـ«فتاوى ابن تيمية» فهى مكنز لفتاوى متعددة فى ظروف وأحوال مختلفة ما زالت فى مسيس الحاجة إلى جهود تحقيق وشرح وترتيب بما يساعد الراغب على الانتفاع بها واتخاذها مذهبا.

ــ4ــ

إلى هذا الحد كانت المذهبية نعمة، بل نعمة كبرى يتجلى فيها:
1ــ سعة الدين وسماحته 2ــ شمول المذهب وإحاطته 3ــ دقة التحقيق والمقارنة 4ــ ملاصقة الواقع ومراعاته 5ــ اعتبار القرآن هو مصدر المرجح الذى لا يمكن مخالفته 6ــ اتساع المذهب لتجديده من داخله بواسطة علمائه وشيوخه المنتسبين له 7ــ تمتع كل مذهب بالحرص على بضاعته مع تقديره واحترامه لبضاعة المذاهب الأخرى المشهورة. 8ــ تربية وتدريب التلاميذ على ضرورة إعمال العقل وأهمية إعادة النظر 9ــ عدم الاستسلام لأى قول فى المذهب ما لم يستند إلى أصل شرعى 10ــ الالتزام الحاد والجاد بدور المعلم وليس المحرض ودور التثقيف والمساعدة دون دور العيادة والزعامة والمعارضة.
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات