ماذا يعنى فوز جمهورى بالرئاسة الأمريكية؟ - محمد السماك - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 1:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يعنى فوز جمهورى بالرئاسة الأمريكية؟

نشر فى : الأحد 27 نوفمبر 2011 - 9:55 ص | آخر تحديث : الأحد 27 نوفمبر 2011 - 9:55 ص

لم يبقَ سوى عام ــ أو أقل قليلا ــ على تاريخ السادس من نوفمبر ــ تشرين الثانى 2012، وهو موعد اجراء انتخابات الرئاسة الأولى فى الولايات المتحدة. فالمعركة تتمحور بين المرشح الديمقراطى الرئيس الحالى باراك أوباما، ومجموعة من مرشحى الحزب الجمهورى المنافس، الذين ينتظر أن ينتخب الحزب واحدا منهم. ولكن أيا كان المرشح الذى سوف يختاره الجمهوريون، فإنه مشروع كارثة شرق اوسطية.

 

فرغم كل الجهود التى بذلها الرئيس باراك أوباما طوال السنوات الثلاث الماضية لتصحيح الأخطاء الفادحة التى ارتكبتها ادارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، فإن الولايات المتحدة لا تزال ــ حتى إشعار آخر ــ متورطة فى حربين (العراق وأفغانستان). ولا تزال تحتفظ بمائة ألف جندى فى هاتين الدولتين. ولقد فشلت فى معالجة القضية الفلسطينية التى تعهدت بتحقيق تسوية عادلة لها، وتراجع الرئيس أوباما نفسه عن المواقف المعلنة التى اتخذها من هذه القضية.

 

ثم إن الاقتصاد الأمريكى لا يزال يتعثر فى مسيرته نحو المعافاة، إذ إن حجم الديون الخارجية يعادل حجم الدخل الوطنى لمدة عقد من الزمن! ونسبة البطالة تزيد على 9 بالمائة، أى ما يعادل 14 مليون أمريكى عاطلين عن العمل. وتؤكد استطلاعات الرأى ان ثمانية من بين كل عشرة أمريكيين لا يثقون بحكومتهم! وان 57 بالمائة يعتقدون ان أمريكا تسير فى الاتجاه الخطأ. وتواجه الولايات المتحدة توسعا مستمرا فى الحضور الصينى على المسرح الدولى، إلى حد ان الصين تقوم الآن بما تعجز الولايات المتحدة عنه، وهو انقاذ المجموعة الأوروبية من الأزمة المالية التى قد تدفع بعض دولها إلى الإفلاس. كما تواجه الولايات المتحدة استمرار التحدى النووى لكوريا الشمالية واستمرار تداعى باكستان بما تملكه من ترسانة نووية. كما تواجه احتمال ــ بل حتمية ــ عودة فلاديمير بوتين إلى الكرملين وانفتاح الهند عليه.

 

●●●

 

تشكل كل هذه التحديات، وخاصة التحدى الاقتصادى الذى عجز الرئيس أوباما عن معالجته، فرصة لنجاح مرشح الحزب الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

ويتنافس على ترشيح الحزب خمسة من قادته، اثنان منهما من طائفة المورمون، هما ميت رومنى الحاكم السابق لولاية ماساشوستس، وجون هانتسمان. ولكن معروف عن هذه الطائفة التى أسسها فى عام 1830 جوزف سميث، انها مرفوضة مسيحيا، بل ان الكنائس الرئيسية فى الولايات المتحدة بما فيها الكنيسة الكاثوليكية تعتبرها مجرد حركة دينية غير مسيحية، ولقد تعرضت للاضطهاد الطويل مما اضطرها إلى الهجرة من ولاية ميزورى إلى ولاية أوتا حيث أقامت مجتمعا منعزلا. الا انها اليوم أصبحت واحدة من الكنائس الأسرع انتشارا.

 

أما الثلاثة الآخرون فانهم ينتمون إلى الحركات اليمينية المتطرفة فى الكنائس الإنجيلية الأمريكية. وهم هيرما كاين صاحب سلسلة مطاعم بيتزا وأحد المبشرين الانجيليين، وريك بيرى حاكم ولاية تكساس، وميشال باكمان.

 

ويعنى الانتماء إلى هذه الحركات الانجيلية الالتزام بالتفسيرات الحرفية للنبوءات الدينية التى تقوم على أساسها عقيدة «الصهيونية المسيحانية» فى الولايات المتحدة. وتقول هذه العقيدة ان الكتاب المقدس يحدد ماذا يريد الله. وان على المؤمنين ان يعملوا على تحقيق ذلك.

 

وما يريده الله فى مفهومهم هو توفير شروط العودة الثانية للمسيح، وفى أساسها اقامة صهيون وبناء الهيكل. ولذلك فإنهم يعتبرون ان دعم اسرائيل وحمايتها ليس واجبا سياسيا فقط ولكنه واجب دينى. وبالتالى فإن التصدى للمطالب الفلسطينية فى اقامة دولة ولو على جزء من ارضهم، ليس استجابة لمصالح اسرائيل كحليف للولايات المتحدة، ولكنه استجابة للإرادة الإلهية فى أن تضم صهيون كل الأرض المقدسة.

 

من هنا فإن وصول اى مرشح من هؤلاء الثلاثة إلى البيت الأبيض فى عام 2012 من شأنه أن يعيد الاعتبار إلى السياسة التى اتبعها الرئيس جورج بوش فى الشرق الأوسط طوال سنوات حكمه الثمانى؛ ذلك انه هو نفسه كان واحدا من أبناء هذه المدرسة الدينية اليمينية المتطرفة. وبموجب النظريات التى تقول بها هذه المدرسة كانت الحرب على العراق، وكان إجهاض كل المحاولات الدولية لمعالجة القضية الفلسطينية، وكانت الحرب على الارهاب باعتباره والاسلام وجهين لحالة واحدة!

 

وهذا يعنى ان نجاح المرشح الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية المقبلة قد يعيد العلاقات العربية الأمريكية، والاسلامية الامريكية، إلى ما كانت عليه فى المرحلة السوداء من رئاسة جورج بوش الابن.

 

●●●

 

فالمرشحون الثلاثة كاين وبيرى وباكمان، يؤمنون بالنظرية التى تقول «ان ما يقوله الكتاب المقدس هو الصواب المطلق». ولكن المشكلة ليست فيما يقوله الكتاب المقدس ولكن فى تقويله ما لم يقله، وفى استخراج تفسيرات حرفية لبعض ما يقوله بما يخدم الحركة الصهيونية وأهدافها، سواء كانت الحركة الصهيونية اليهودية، أو الحركة الصهيونية المسيحانية. ولذلك فان الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الارثوذكسية وكثيرا من الكنائس الانجيلية داخل الولايات المتحدة وخارجها ترفض هذه التفاسير للنبوءات الدينية وتعتبرها مناقضة للمسيحية من حيث الشكل والأساس.

 

ولا يقف خطر هذه الشخصيات عند هذا الحد، ولكنه يشمل قضايا أمريكية داخلية تتعلق بصيغة التنوع الدينى فى الولايات المتحدة. ويعتقد هؤلاء أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة ارادوا أن تكون الدولة دولة مسيحية وللمسيحيين حصرا. وان وجود أديان أخرى مرفوض من حيث المبدأ. والمفهوم الدينى لدى اليمين الانجيلى الامريكى هو ان المسيحية هى الانجيلية فقط. ولذلك فإنهم ينظرون بقلق للكثافة الكاثوليكية المتزايدة من جراء هجرة المكسيكيين وكلهم كاثوليك إلى الولايات المتحدة. وبالنسبة اليهم فإن الخطر الذى تمثله هذه الهجرة لا يتمثل فى البعد الاجتماعى أو حتى العنصرى، ولكنه يتمثل فى البعد الدينى فى الاساس.

 

ويشمل هذا الموقف أيضا العلمانيين اللا دينيين فى الولايات المتحدة وإن كانت نسبتهم إلى عدد السكان ضئيلة. الا انهم يرفعون شعارات حقوق الانسان، بما فيها حرية الإجهاض، والشذوذ الجنسى.

 

ويعنى وصول مرشح الحزب الجمهورى إلى البيت الابيض إعلان حرب على كل هؤلاء، وخاصة على التنوع الدينى والمذهبى وعلى الحريات الشخصية.

 

بل ان هذه الحرب قد تصيب برامج التعليم العلمية. ذلك ان الانجيليين المتطرفين يرفضون نظرية النشوء والتطور، ويؤمنون بأن عمر الكرة الأرضية هو عشرة آلاف عام فقط، وان الانسان عاش والديناصورات بأمن وسلام. كما يؤمنون بتفوق الرجل على المرأة وبوجوب خضوعها له.

 

وتضم هذه الحركات الانجيلية عشرات الملايين من الأنصار والمؤيدين. وهم يقدرون عددهم بحوالى السبعين مليونا. ويتعامل هؤلاء مع القادة الدينيين الانجيليين وكأنهم أنبياء يحملون كلمة الله. وفى كتابه «فضيحة العقل الانجيلى» يصف المؤرخ الأمريكى مارك نول العقل الانجيلى بانه «كارثة ثقافية». لأنه يقصى العقل ويعطله تماما.. ولأنه يدعو إلى الإيمان الأعمى ليس فقط بالنص الانجيلى، انما بالتفاسير وبالتأويلات التى يقول بها القادة الدينيون الانجيليون.

 

●●●

 

من هنا السؤال: أى أمريكا فى ظل رئاسة واحد من هؤلاء؟ وأى مستقبل لعلاقات الولايات المتحدة مع العالم.. ومع الشرق الاوسط تحديدا؟.

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات