عن عدالة تنقذ وطن - مصطفى النجار - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن عدالة تنقذ وطن

نشر فى : الجمعة 28 مارس 2014 - 9:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 28 مارس 2014 - 9:15 ص

لا يوجد جدل محتدم حول موضوع فى مصر الآن مثل الجدل الذى أعقب الحكم بإعدام 529 من مؤيدى الرئيس المعزول محمد مرسى بالمنيا على إثر اتهامهم بقتل ضابط شرطة بمركز مطاى وممارسة أعمال شغب وتحريض على العنف، أثار الحكم غير المسبوق فى تاريخ القضاء المصرى والعالمى ردود أفعال كبرى داخليا وخارجيا حيث أصدر 14 مركزا ومؤسسة حقوقية مصرية بيانا جاء فيه «هذا الحكم الصادر بإعدام هذا العدد الهائل يشكل تحولا خطيرا وغير مسبوق فى مسار تعامل القضاء المصرى مع مثل هذه القضايا، وانتهاكا جسيما لكل من الحق فى المحاكمة العادلة والحق فى الحياة»، وأثار الحكم موجة من ردود الأفعال العالمية بدءا من انتقاد الأمم المتحدة للحكم  على لسان روبرت كوفيلى المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الانسان فى الامم المتحدة الذى قال «العدد المذهل للأشخاص الذى حكم عليهم بالإعدام فى هذه القضية لم يسبق له مثيل فى التاريخ الحديث وإن اصدار احكام الاعدام الجماعية هذه بعد محاكمة كانت مليئة بالمخالفات الاجرائية هو انتهاك للقانون الدولى لحقوق الانسان»، وأصدر عدد من وزارات الخارجية بعدة دول بيانات إدانة فى نفس الاتجاه  بالتوازى مع التغطية الإعلامية الواسعة للصحافة الأجنبية التى سلطت الضوء على الحكم بعناوين مثيرة مثل الديلى تلجراف التى وصفت الحكم بأنه أكبر عملية إعدام جماعى بالعالم.

لم تكن مصر بحاجة إلى مزيد من الانتقاد السياسى والحقوقى الخارجى ضدها ولكن ما صنعه تأثير هذا الحكم سيبقى مستمرا لفترة ليست بالقصيرة ولسنا هنا بصدد مناقشة الحكم وحيثياته التى تحدث عنها كثير من القانونيين والمتخصصين وفندوا أسباب نقدهم ورفضهم للحكم، لكن ينبغى الانتباه إلى أن هذا الحكم جعل الناس تقارن  فى كتاباتهم وتعليقاتهم بشكل تلقائى بين هذا الحكم وبين الحكم على قتلة 37 معتقلا فى سيارة ترحيلات أبوزعبل الذين حُكم على شخص واحد فيهم بعشر سنوات فقط والباقى صدرت لهم أحكام سجن مع ايقاف التنفيذ، كما استدعى الناس مقارنات بين قضايا قتلة المتظاهرين فى ثورة يناير وأحداث محمد محمود ومجلس الوزراء والتى انتهت دون إعدام أى شخص أو سجنه حتى الآن، ليبقى من تورطوا فى سفك هذه الدماء بعيدين عن القصاص أيا كان السبب سواء فى الإجراءات أو عدم توافر أدلة دامغة للإدانة.

•••

لا يوجد حكم سيرضى كل الناس ولكن قد يوجد حكم يجتمع غالبية الناس سواء المؤيدين للسلطة والمعارضين لها على أنه تجب مراجعته وهذا سيظهر فى درجات التقاضى التالية، لكن هذا لا يمنع أن هناك قلة رأت فى الحكم رسالة ردع قوية ستكون زجرا لكل من تسول له نفسه الخروج على الدولة. وبعيدا عن هؤلاء وهؤلاء فالمبدأ الذى لا خلاف عليه أن القضاء يجب أن يبقى مستقلا عن السلطة ولا ينحاز لطرف لأنه صمام أمان المجتمع بتحقيقه للعدالة وإقامة القانون حتى لا يتحول المجتمع إلى غابة لا مرجعية لها إذا تخطى أفراد المجتمع فكرة التقاضى والاحتكام للقانون الذى يفصل بينهم ويميز بين المذنب والبرىء.

 كتب المستشار أحمد عطية القاضى الجليل يصف القاضى العادل قائلا «هناك سبعة مبادئ عامة أؤمن بها تتعلق بمواصفات القاضى العادل يجب أن تتوافر فيه عند نظر أى قضية وهى ألا يتأثر بالأحداث السياسية ولا يكون لآرائه وتوجهاته السياسية الخاصة أى أثر عند إصدار أحكامه، ولا يضع فى اعتباره أن هناك درجات أخرى للتقاضى ستصحح أحكامه بل يبحث عن الحقيقة وكأنه لا يمكن الطعن على الحكم، ولا يفرق بين الحكم الحضورى والغيابى ولا يضع فى اعتباره أن المحكوم عليه الغائب يستطيع أن يعيد إجراءات المحاكمة ولا يعنيه رأى الجمهور أو رأى السلطة ولا تتكون عقيدته إلا من خلال الأدلة والمستندات ويتيح الفرصة الكاملة للدفاع لإبداء دفاعه ودفوعه حتى لو كانت أوراق القضية تنطق بالإدانة، ولا يخرج عن حدود القانون حتى لو أدى ذلك إلى تبرئة متهم هو متأكد بعلمه الشخصى أنه ارتكب الجريمة، وإذا وجد أدلة الإدانة قوية ولكنه يتشكك فى صحتها لأى سبب فى تقديره فهو يطبق قاعدة «الشك يُفسر لمصلحة المتهم» ويحكم بالبراءة، وأخيرا هناك قاعدة عامة هى أن «السياسة إذا دخلت القضاء أفسدت القضاء وأفسدت السياسة وأفسدت الدولة.. أى دولة».

•••

كلنا نعانى من نقص الثقافة القانونية وقد نعلق على الأحكام طبقا لمعرفتنا السطحية وأحيانا بهوانا الإنسانى وربما السياسى ولكن حين يكون هناك شبه إجماع من المتخصصين ينبغى الوقوف والمراجعة حماية للعدالة وللقضاء نفسه من سوء الظن والرمى بالاتهامات، حالة الاحتقان والاستقطاب التى تمر بها مصر الآن تجعل القضاء المصرى فى موقف لا يحسد عليه حيث إنه صار رأس الحربة فى إنقاذ دولة القانون من الانهيار وحماية مفهوم العدالة فى عيون المصريين قبل أن يكفر الناس بالقانون وبمفهوم الدولة ككل ويقررون تصفية حساباتهم وثاراتهم بأيديهم.

ننتظر من قضاء مصر موقفا حاسما يعطى للعالم درسا فى دور العدالة فى إرساء الحق ونزع فتيل الاقتتال الأهلى وحماية المجتمع عبر إقامة العدل والأخذ على يد الظالم.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات