حماس من داخلها - محمد جمعة - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حماس من داخلها

نشر فى : الإثنين 28 أبريل 2014 - 6:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 أبريل 2014 - 6:45 ص

فى صدر اللائحة الداخلية لحركة حماس(لائحة غير معلنة) تُعّرف الحركة نفسها بأنها «تنظيم الإخوان المسلمين فى فلسطين». هذا التعريف انعكس على البنية التنظيمية للحركة، ولهذا يتشكل مجلس شورى حماس (أعلى مستوى قيادى داخل الحركة) من عدد معين من الأعضاء يتجاوز الـ59 عضوا، من بينهم (7 ــ 10) من رموز التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، ثلاثة منهم من تنظيم إخوان مصر.

وفقا للتشكيل الحالى، يمثل تنظيم إخوان مصر داخل مجلس شورى «حماس» كلا من: الدكتور محمود حسين الأمين العام لجماعة الإخوان. والمهندس رضا فهمى رئيس لجنة الأمن القومى والشئون العربية بمجلس شورى الدولة المصرية الذى جرى حله بعد 3 يوليو 2013. والرجل بدوره هو رئيس لجنة فلسطين داخل تنظيم إخوان مصر، وهذه اللجنة هى جزء من «لجنة الإسناد» على مستوى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين.

•••

من ناحية أخرى، أفضت نتائج الانتخابات الداخلية الأخيرة لحركة حماس (اختُتمت آخر وقائعها فى القاهرة فى ابريل 2013) إلى صعود محمد صوالحة إلى عضوية المكتب السياسى للحركة، وهو الآن المسئول الأول عن قسم العلاقات الدولية داخل الحركة. وفى ذات الوقت الرجل يشغل أيضا موقعا مهما فى أمانة التنظيم الدولى للإخوان فى لندن، أى أنه يجمع بين الموقعين معا، أحدهما داخل الأطر التنظيمية للتنظيم الحمساوى (الفرع الفلسطينى للإخوان)، وثانيهما داخل الأطر التنظيمية للتنظيم الدولى ككل.

ومن اللافت للنظر فى هذا السياق أن قسم «العلاقات الدولية» فى داخل تنظيم حركة حماس ظل، منذ عام 2005 وحتى ما بعد ثورة 25 يناير2011، على المستوى الإدارى جزءا من «الدائرة السياسية» التى يرأسها محمد نصر عضو المكتب السياسى للحركة. لكن فيما يبدو أن الصعود السياسى للإخوان المسلمين فى الإقليم، وفى مصر على وجه التحديد، خلال عامى 2011 ــ 2012، أغرى حركة حماس بالاهتمام بهذا القسم وتطويره.. فالحركة كانت تتصور آنذاك أنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الاعتراف الرسمى بها، سواء على المستوى العربى والإقليمى، أو على المستوى الدولى. والاستعداد لذلك يتطلب تطوير هذا القسم وزيادة عدد العاملين فيه، ليصبح فرعا قائما بذاته وليس جزءا من الدائرة السياسية. وهذا ما حدث بالفعل.. فما أن جاء شهر يوليو من العام 2012، واطمأنت قيادة حماس إلى أن الوافد الجديد إلى قصر الاتحادية هو أحد إخوانهم، إلا وأصبح عدد الأعضاء العاملين فى قسم العلاقات الدولية للحركة يتجاوز السبعين عضوا، يمسك كل منهم بملف إحدى دول العالم، ليشكلوا فى مجموعهم نواة «الجهاز الدبلوماسى» للحركة.. ولم لا والحركة قد انتقلت، بعد عدة سنوات من السيطرة على غزة، من مربع «فاعل ما دون الدولة» إلى «فاعل شبه دولة»... وها هى التطورات المحمولة على «الربيع العربى» تبشر قادة حماس، بحسب ما كانت تشى به قراءة الأحداث آنذاك، بنهاية محتملة للدور الوظيفى للسلطة الفلسطينية، وتدشين «حماس» بديلا عنها.

المهم فى سياق كهذا، أن قيادة حماس عندما فكرت آنذاك فى الشخص المناسب الذى يتعين إسناد مهمة إدارة هذا القسم المهم له، وقع اختيارها على محمد صوالحة وذلك لأسباب عدة أهمها أنه طيلة كل سنوات إقامته فى لندن (أكثر من 15 سنة) ارتبطت مهامه الحركية بالأطر القيادية للتنظيم الدولى، بأكثر من ارتباطها بالأطر التنظيمية للتنظيم المحلى فى فلسطين. وعليه فقد بدا صوالحة هو الشخصية الأنسب من وجهة نظر القيادة الحمساوية لتولى هذا المنصب، كونه شخصا مألوفا للعديد من القيادات الدولية للإخوان المسلمين الذين أصبحوا (بعد الثورات) وزراء ومسئولى حكومات فى أقطارهم. فضلا عن أن محمد صوالحه بدا مؤيدا من قبل الجناح المناوئ لخالد مشعل داخل حماس (هذا الجناح ممثل أكثر فى «حماس- غزة») كونه يتحفظ على وجهة نظر مشعل فى العديد من الملفات، كملف المصالحة، والعلاقة مع كل من إيران وقطر.. إلخ.

ومن ثم فإذا كانت قيادات التنظيم الدولى قد ضغطت على بعض أجنحة «حماس» من أجل التجديد مرة أخرى لخالد مشعل، فإن وجود محمد صوالحة (المناوئ لمشعل) على رأس ملف العلاقات الدولية للحركة يُعد، بحسب وجهة نظر الجناح غير المؤيد لمشعل، ركيزة مهمة لإحداث ذلك التوازن المطلوب فى علاقة كل من «حماس الخارج» و«حماس الداخل» بالتنظيم الدولى للإخوان.

•••

من ناحية ثالثة، فى يناير 2012 استجاب مجلس شورى حركة حماس، لقرار مكتب الإرشاد العالمى للإخوان المسلمين، الذى نص على إنهاء حالة الازدواجية الإدارية التى تحظى بها عناصر المكاتب الإدارية لإخوان الشام، فى دول الخليج، وعدم التداخل بين التنظيم الأردنى والفلسطينى (حماس) فى مكاتبها الإدارية، ما يعنى فك الارتباط المالى والسياسى بين تلك المكاتب بشكل نهائى. وكان مكتب الإرشاد العالمى قد اتخذ تلك الخطوة فى نوفمبر 2011، وذلك فى إطار محاولة التنظيم الدولى ترتيب أوراقه الداخلية، استجابة للتطورات المتلاحقة التى شهدتها المنطقة آنذاك، عقب الإطاحة بزين العابدين بن على، وحسنى مبارك، وعلى عبد الله صالح. واندلاع الثورة بمواجهة القذافى فى ليبيا، وبشار الأسد فى سورية.

وما يعنينا هنا أن تلك الاستجابة السريعة من قبل مجلس شورى حماس، وكذلك مجلس شورى إخوان الأردن، لقرار مكتب الإرشاد العالمى تكشف لنا عن بعد آخر للعلاقة التى تربط التنظيم الدولى للإخوان بفروعه فى دول المنطقة.

•••

بهذه المعطيات الرئيسية الثلاثة ــ على النحو الذى سبق توضيحه ــ نستطيع أن نقف على طبيعة العلاقة بين حماس والإخوان المسلمين. وبهذا المعنى نستطيع أن نفسر لماذا راهنت «حماس» بكل ثقلها على الصعود السياسى لجماعة الإخوان فى مصر، لا سيما منذ دخول محمد مرسى قصر الاتحادية واستقباله لوفدين من حركة حماس، خلال الشهر الأول من تسلمه مهام منصبه (الأول برئاسة خالد مشعل فى 18 يوليو 2012، والثانى برئاسة إسماعيل هنية فى يوم الــ27 من ذات الشهر). وبهذا المعنى أيضا نستطيع أن نفهم لماذا تبدو «حماس» هى أول من سيدفع ثمن فشل تجربة حكم الإخوان فى مصر.

باختصار، الصعود السياسى للإخوان المسلمين على النحو الذى شهدته المنطقة خلال عامى 2011 ــ 2012 والنصف الأول من عام 2013، شكّل انعطافة مفصلية فى مسيرة وتجربة حركة حماس. أما فشل تجربتهم فى حكم مصر فكان بمثابة الزلزال السياسى الذى أطاح بتحالفات حماس السياسية ورهاناتها الإستراتيجية. وبين فترتى الصعود والفشل، وما بعد الفشل، أظهرت سياسات حماس ومواقفها كيف أن التنظيم الفلسطينى يعود إلى جذوره عبر التأكيد على روابطه الخاصة مع الإخوان فى مصر وعلى المستوى الدولى.

محمد جمعة باحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
التعليقات