هل الشعب يمكن أن يكون مخطئًا؟! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل الشعب يمكن أن يكون مخطئًا؟!

نشر فى : السبت 28 مايو 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : السبت 28 مايو 2016 - 9:55 م
عشت ١٨ عاما متواصلة فى إحدى قرى محافظة أسيوط. وأحرص على زيارة أبى وأمى وأهلى الذين لا يزالون يعيشون هناك بصفة دورية. وبموضوعية كاملة ونتيجة معايشة ثم متابعة أستطيع القول بنفس راضية أن جزءا من المصريين مسلمين ومسيحيين خصوصا فى الصعيد مصابون بداء التعصب الدينى.

هذه الحكومة وكل الحكومات السابقة تتحمل مسئولية العديد من المشكلات والأزمات فى المجتمع. والمؤكد أنها تتحمل جانبا من مشكلة الفتن الطائفية المستمرة منذ سنوات طويلة. لكن علينا أن نعترف بأن جزءا من الشعب أو لنقل غالبيته هم سبب استمرار المشكلة. قد تكون البيئة والمناخ والأجواء والثقافة السائدة والمناهج الدراسية والاعلام تهيئ الأجواء لذلك، لكن فى النهاية صار معظم الناس متعصبين دينيا، حتى لو حاولوا مداراة ذلك.

ما حدث قبل أيام فى قرية الكرم بمركز أبو قرقاص بالمنيا هو تذكير لنا جميعا بأن المجتمع المصرى مريض بداء التعصب. ليس فقط المسلمين ولكن المسيحيين ايضا. نحاول مرارا إخفاء ذلك، لكن المرض كامن ويخرج إلى السطح كثيرا بسبب نقص المناعة فى جسد المجتمع.

من الظلم تحميل مسئولية هذا التطرف لجماعة الإخوان وبقية التيارات التى تدعى احتكار الإسلام فقط. ونحن صغار فى الصعيد فى بداية السبعينيات كنا نتشرب التعصب من ممارسات متكرسة فى الواقع وحكايات على «المصاطب» تتحول إلى ما يشبه الفولكلور. كان البعض من الصغار يمارس فى الصباح عادة إلقاء الطوب على بيوت المسيحيين فى «درب النصارى» وكأنه فريضة، وفى المساء يسألونهم كى يلعبوا الكرة معا غير عابئين بمشاعر الذين ضربوهم صباحا.

الثقافة العامة فى الصعيد والريف عموما تكرس معاملة الأقباط باعتبارهم أقل منزلة، وهو ما يتم ترجمته لاحقا إلى واقع متجذر بقوة العرف الذى هو أخطر وأهم من القانون.

وبغض النظر هل تم تعرية السيدة سعاد فى قرية الكرم لدقيقة أم لساعة، وهل تم تضخيم المشكلة أم لا، فإن الواقع والتجارب المتكررة خصوصا منذ أحداث الخانكة فى بداية السبعينيات من القرن الماضى، تقول إن هناك مشكلة حقيقية، نعالجها كل مرة بالمسكنات حتى تنفجر مرة أخرى وهكذا دواليك.

ظنى الشخصى أن الحكومات والأنظمة المتعاقبة استفادت من الخلافات والأزمات الطائفية لكى تلهى وتشغل الناس بهذه المشكلة، حتى لا يفيقوا ويناقشوا الأزمات الفعلية الخاصة بالنهب والفساد والاستبداد. ونفس الأمر كررته جماعة الإخوان وبقية القوى الظلامية والمستبدة، لأنه موضوع يخاطب الغريزة الدينية المهيمنة على غالبية المصريين وبالأخص البسطاء والفقراء، الذين يسهل حشدهم خلف هذه الراية، فى حين أن الهدف الأساسى هو السلطة والثروة.

الحكومات والأنظمة المتعاقبة أفسدت جزءا من فطرة المصريين السوية، وجعلتهم ينشغلون بتحول منزل إلى كنيسة أو بتركيب صليب فوقها إلى أزمات لا تتوقف، بدلا من الانشغال بقضاياهم الحقيقية.

هذه المأساة سوف تتكرر طالما استمر هذا الجهل والتخلف والمتاجرة بالدين وتسخيره لخدمة أهداف سياسية ومصلحية. وختاما أستعير كلمات أحد الأصدقاء الذى كتب على صفحته ما يلى ملخصا حقيقة ما حدث:

«حادثة المنيا مجمع عفن لكل ما ابتليت به مصر من تخلف طائفى وغوغائية وجفاف إنسانى وانعدام للرحمة وللتمييز بصورة كئيبة ومفزعة.. نتحدث دائما عن ضرورة إصلاح هذا الجهاز أو ذاك من أجهزة الدولة وهو أمر مطلوب دائما، لكننا ننسى أن الواقع يشير إلى أن الشعب قبل الدولة بحاجة للإصلاح والتنوير لاستعادة روحه الحضارية التى تشكل حصنه العظيم ومصدر قوته وريادته».
عماد الدين حسين  كاتب صحفي