الإسلام كما أدين به - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به

نشر فى : الخميس 28 يوليه 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 28 يوليه 2016 - 9:25 م

أمتنا هى مجموع سكان الإقليم الذى نقيم فيه، ثم مجموع المتعاملين والمتواصلين بعضهم ببعض، ثم مجموع الذين ينتمون إلى تخصص علمى واحد أو اختصاص وظيفى واحد، ثم مجموع من يسلكون وجهة متوافقة فى إعمار الحياة، وأخيرا مجموع الذين يدينون بشريعة دينية وأخلاقية واحدة. وهكذا يصبح المسلم عضوا كامل العضوية فى خمسة مستويات من مستويات الأمة.. وتلك المستويات الخمسة وبالترتيب الذى ذكر لا تعارض ولا تضاد بينها، بل إن كل مستوى منها دافع لما بعده، ومرتبط بما قبله. فلا يحسبن أحد أن انتمائى للإسلام كشرعة وعقيدة ودين يفرض علىّ أى تعارض أو تضاد مع شركائى فى المستويات الأربعة السابقة عليه، إذ لا يتصور أحد أن العمران الحق والعلم الحق يمكن أن يتناقض مع العقيدة الحقة.


ــ1ــ

والأمة ــ أى أمة ــ لها نسق شعبى ولها نسق مؤسسى، والنسق الشعبى هو مجموع السلوكيات العامة والأعراف والعادات التى يلتزم بها الأفراد، أما النسق المؤسسى فيبدأ من مؤسسات الخدمات ويتصاعد إلى مؤسسات الدولة وانتهاء بمؤسسة رياسة الدولة أو المنظمة الإقليمية التى تتبعها الأمة. وقد اتسعت الدولة فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لجميع المقيمين عليها الذين يدينون بولائهم للمجتمع ودولته دون التفات إلى عقيدة كل شخص. فقد ضمت «وثيقة المدينة» أطرافا يهودية مثل قينقاع/ النضير/ قريظة، كما اتسعت ليهود تيماء (وادى القرى) وخيبر.. وما أخرج أحد من هؤلاء إلا بوقوعه فى جريمة «خيانة وطنية» طبقا لدستور الدولة آنذاك، ومع خيانتهم فقد فوضهم الرسول فى اختيار «تصحيح» لما ارتكبوا، فآثر قينقاع والنضير الخروج فأجيبوا إلى طلبهم، كما تولت قريظة اختيار تحكيم فاختارت الحكم وعهدت إليه فكان ما كان. ولا نجد دليلا شرعيا مقبولا يفرض على سكان أى إقليم أن لا يجاوروا إلا أبناء عقيدتهم.

ــ2ــ


وحينما يجد المسلم أن القرآن الكريم وهو المصدر يفتح باب تناول الزكاة على وصف «الحاجة والضرورة» دون أى شرط آخر ((..لِلْفُقَرَاءِ وَالْـمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْـمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ...))، نتأكد أن العطاء والدعم والتبادل غير مقصور على أبناء العقيدة الإسلامية. كذلك لم ينازع أحد فى حق أى امرأة كتابية عاقلة راشدة أن تختار لنفسها زوجا مسلما ويرتبطا برباط «زواج شرعى» مع بقائها تدين بعقيدتها.. أليس فى ذلك التعايش والتكامل والتناصر على مستوى (الزوجية) دليل كاف على شمول مصطلح الأمة واتساعه لكل من يريد أو يتوافق أو لا يعارض أو لا يحارب المجتمع ودولته. فهذا الزواج نافذة رسمية فتحها الشرع ليطلع كل طرف على ما عند الآخر إطلاع بصر وسمع وتعامل حتى يتقارب الجميع.

ــ3ــ


وقد اقتضت طبيعة البشر أن يحتاج كل إنسان لجهود غيره فى المجالات والميادين المتعددة للحياة مثل (الطب/ الهندسة/ التجارة/ السياسة إلخ) ولم يشترط الإسلام على أبنائه فى اختيارهم لمن يتعاملون معهم عقيدة الإسلام، إنما اشترط الكفاءة العلمية ثم التخصص، والعبرة بالإتقان والإحسان المهنى والعلمى. وحسبك أن تتذكر أن المقوقس (القس الرومانى الذى كان يحكم مصر من قبل اليونان) قد بعث بهدية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من بينها «طبيب»، وكان تعليق الرسول صلى الله عليه وسلم على «إهداء الطبيب» هو عدم رفض الهدية بسبب عقيدته، ولكنه صلى الله عليه وسلم أعلن أن للأمة سنة حميدة فى تناول الطعام تجعلهم لا يحتاجون إلى طبيب حيث قال: «لا حاجة بنا إلى طبيب فنحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع». ويزيد الأمر وضوحا أنه قبل بقية الهدية على ما هى عليه (مارية وأختها سيرين والخادم التابع)، ثم وهب سيرين لشاعره حسان، وتزوج هو بمارية وأبقى الخادم التابع ليخدمها. فهل فى ذلك من شك؟! ليس فى تلك الأخبار من شك، كما أنها كسائر أخبارنا وأحكامنا الشرعية لا يطولها نسخ ولا يمسها تعطيل، فتلك شريعة الله الخاتمة التى نشرف بالانتماء إليها.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات