كعك العيد - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الخميس 30 مايو 2024 2:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كعك العيد

نشر فى : الإثنين 28 سبتمبر 2009 - 9:57 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 سبتمبر 2009 - 9:57 ص

 يحتل الكعك فى عيد الفطر مكانة مميزة ترافقها طقوس خاصة، يمكننا أن نستعرض أبرز ملامحها من خلال مجموعة من نصوص شعر العامية، أولها وأنعمها للشاعر فؤاد حداد الذى يتسع قلبه لمحبة العالم، وتتسع حدقته لرصد أدق تفاصيل الحياة المصرية الصميمة، حيث يقول:
خالاتى عماتى سيداتى
على تل عجوة وعسل وسمن
ولا مجلس الأمن سهرانين
لت وعجين
يبنوا الهرم
قالت حماة المحترم
يا كعك يا سيد الكرم
نبطلك فى المشمشى
يا بنت قومى وفرفشى
لا تحوشى.. ولا تختشى
إحمى الوابور واستحمشى
إشى وإشى.. تلاقيه مشـى
إشى نغبشى.. واشى حبِّشى
واشى دندشى.. واشى أنقشى
واشى ينحشى.. واشى رشرشى
سكر عليه

وعلى الرغم من أن التداعى الصوتى يبدو مسيطرا على النص، فإن انسياب المعانى والصور يجعل هذه المفردات تبدو وكأنها الوحيدة القادرة على التعبير الأمثل فى السياق السابق.

أما الشاعر بيرم التونسى فيناقش مشكلة اجتماعية تتعلق بعادة تبادل أطباق الكعك بين البيوت فى أول أيام العيد، فقد أنفق كل ثروته على صناعة ثلاثين صاجا من الكعك الرائع، وقامت زوجته بتوزيعها جميعا على جيرانها ردا على هداياهم التى أتتها من كعكهم الردىء، حيث يقول:

تلاتين صاجْ من الكَعْك المكَلِّفْ يباتوا فى بيوت الحَتْوَجيهْ
ويفضل كعكهُمْ قُدَّامْ عنينا مشكِّلْ زَىِّ صَدَقَاتْ التِّكِيِّهْ
حنيفَةْ كَعْكَهَا معجون بديـزلْ زناخته للسماواتْ العَلِيَّـهْ
وفاطْمهْ كَعْكَها إسودْ منقْرَشْ يِبانْ للعينْ أَفاعى مِلْتويهْ
وأمَّا كعك خالتْنَا العجوزة تروحْ بيه القرافة مستِحيَّـــــهْ
أنا نادرْ إذا خلاَّنى ربِّى ونَجَّى الناسْ من نايْبَه قويَّهْ
لأَعْجِن كَعْكْ من ردِّة فِرَاخْنـا واحُطْ عليهْ شطَّهْ مَغْْربيـَّـهْ
ومَنْ أَهْدى إلينا- أَوْ رَزانا نجازى عَ الرزيَّة بالرزيَّـه!!

إن روح الدعابة الساخرة لدى بيرم التونسى هى التى دفعته إلى التفكير فى صناعة هذا الكعك القاتل، لينتقم به من كل الذين أكلوا كعكه الطيب وأعطوه كعكا لا يؤكل.
ومن هنا ننتقل إلى عادة شعبية مصرية أخرى ترتبط بالكعك والعيد أيضا، وهى ضرورة تذوق ولو كعكة واحدة مما صنعته سيدة البيت بنفسها بعد جهد وعناء، ولابد أيضا من أن تبدى رأيك فى مدى مهارة الصنع، وهنا يكون الموقف بمثابة مجاملة مدفوعة الأجر، حيث يصور «جوعان بن هفتان» شخصية الشاعر فؤاد قاعود المتخيلة هذا الموقف قائلا:
فى العيد خدونى حكم ع الكحك والقراقيش
أقول عمايـل ســنيه بدهـا تحرميش
وكحك فردوس صغير بس زيـه مافيش
وأجـبر خاطــرهم جميعا بس آكل أكل
يكفى من غير مبالغه ف المعارك جيـش!
وكل بيت أدخله تكون صاحبته عايزه
أقــول عــمايلها هـيَّا وحدها الفايزه
فأقول أكيد إنتى وحدك للسـباق حايزه
واكل وأضحك ف عينى من حماس زايد
مع إن مافــيش هنالك أيها جايزه!
والكحك دا باخده بعـد الأكل تحليَّه

طبيخ مسبِّك بلحم احمر وتقليَّه
أو فرخه متحمَّره أو كبده مقليـَّه
ودا ضرورى عشان أفهم حلاوة الكحك!
بعــد الحــــوادق.. وأحكم فيها برويَّه!
وإذا كان جوعان بن هفتان الطفيلى الجائع مجاملا فى حكمه على كعك الغرباء، فإن «نكد الدولة سخطان» وهو شخصية متخيلة أخرى لدى الشاعر فؤاد قاعود أيضا، لا يبدى أى نوع من المجاملة عندما يصرح برأيه فى الكعك الذى صنعته زوجته من حُرِّ ماله القليل، حيث يقول:
صنعتى لنا من بعد تكلفة عكا
وجئتى سميطا يا لواحظ لا كعكا!
وإنى أراكى بعد تضييع ثروة
تعوزين ضربا فوق ذا الرأس أو سكّا
وأنه فى بعض لصيق ولازق
نزلنا عليه بالشواكيش ما انفكا
وقال غلام بالشاكوش مشاورا
أنا أبغى شيئا أقوى مما معى فتكا
خذى ما صنعتى وأطلعى لقرافة
فقد يقبل الشحاذ أكله لا شكا

وقد يلاحظ القارئ امتداد روح الدعابة الساخرة لدى بيرم التونسى فى فؤاد قاعود، والتى تصل أحيانا إلى حد توارد الخواطر فى مثل فكرة عدم صلاحية توزيع الكعك الردىء إلا بوصفه صدقة فى المقابر فقط. فثمة حبل متين يربط بين شعر بيرم التونسى وشعر فؤاد قاعود وبخاصة فيما كتبه بمجلة صباح الفل، أما فؤاد حداد فقد كان نسيجا وحده. أطعمكم الله من كعك حداد، وأبعدكم عن كعك بيرم وقاعود، وكل عام وأنتم بخير.



التعليقات