السطوح - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 5:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السطوح

نشر فى : الثلاثاء 29 أكتوبر 2013 - 8:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 أكتوبر 2013 - 8:00 م

المؤثرات الصوتية، الواقعية، وطريقة التصوير الذكية، الماكرة، من أفضل عناصر اللغة السينمائية فى أحدث أفلام مرزاق علواش. سارينة الخطر، تنطلق، آتية من الشوارع، لا تتوقف. انها جزء من الحياة اليومية، لا نعلم ان كانت لسيارة اسعاف، أو شرطة، أو حريق. المهم، انها توحى بالخطر. كارثة ما وقعت أو على وشك الحدوث.. أحيانا، تطل الكاميرا من فوق السطوح.. من ناحية ترى زحام سيارات، متشابكة، لا تستطيع المسير، كأن المجتمع كله فى حالة تعثر أو توقف.. من ناحية ثانية للسطوح، تنظر الكاميرا إلى البيوت المقابلة. واجهاتها متربة، نوافذها ضيقة، عشوائية، مغلقة على أسرار من يعيشون خلفها.. أما إذا القت الكاميرا بنظرها إلى المنور، فإن عمدان سور السلالم الحديدية، الصدئة، تبدو كما لو أنها سلالم وأسوار سجن.

يعتمد بناء السيناريو الذى كتبه المخرج على الانتقال بين خمسة أسطح فى حى باب الواد، ليقدم، بتكثيف ومهارة، مقاطع مما يدور فيها، كما لو كانت خمس خشبات مسرح، نشهد ما يندفق عليها من وقائع، فتبدو فى النهاية، لوحة كولاج، تتجاور الشرائح مع بعضها بعضا، لتقدم فى النهاية بانوراما. شديد القسوة، لمجتمع تسرى فيه روح القمع والهلاك، والفيلم فى هذا لا يهتم برواية حكاية، أو تتبع مسار ومسيرة أبطاله، أو تفسير سلوكهم وتحليل طبائعهم، فما يهمه هو تجسيد واقع وعرض حال، فها هو أحد الأسطح، تسكنه أسرة مكونة من أم تعيسة، تعيش مع ابن مراهق، يقترب من التخلف العقلى بسبب المخدرات، وابنة ذهب الإدمان بشبابها وجمالها، لا تتوقف عن التدخين، وبشعر منكوش، تنخرط فى بكاء كالعويل، حين تؤنبها الأم. الفتاة، بملامح وجهها الجامدة، وأصابعها المتورمة، اليابسة، تؤدى دورها بتمكن، شأن بقية الممثلين، الذين لا أعرف أسماءهم.. هذا السطح، تقع فيه جريمة قتل رجل اقتحم المكان، يريد، فيما يبدو، ثمن المخدرات التى استهلكها الفتى. وعندما يكاد يفتك بالمدمن، تنهال عليه الفتاة بوعاء فتهشم رأسه الذى لا نراه.. فيما يبدو أن مرزاق علواش يحاول الترفق بنا، ولكن هيهات.

على سطح آخر، فى بناية خرسانية لم يتم الانتهاء منها، تجرى فرقة موسيقية بروفاتها. مجموعة شباب بينهم مغنية جميلة الصوت. تتابعهم امرأة، رقيقة الملامح، فى السطح المقابل. تنشأ علاقة مودة صامتة مع المغنية. رجل، يضرب المرأة الرقيقة بوحشية. المغنية، رقيقة القلب، تجأر بالصراخ، تطلب من أعضاء الفرقة الذهاب لإنقاذها. يحاولون تهدئتها، وأحدهم يقول: ربما الرجل زوجها أو شقيقها!.. وفى مشهد لاحق، يدور، بالإشارة، حوار محبة بين المقموعة والمغنية. المرأة تصعد لتقف فوق سور السطح، تودع المغنية المدعوة. تلقى بنفسها. نسمع صوت ارتطام جسدها على الأرض، من دون أن نراه.. قلت لك إن علواش، بلا جدوى، يحاول أن يكون رحيما بنا.

فى الدور الذى يقع تحت سطح فريق الموسيقى، يندمج ثلاثة أوغاد فى تعذيب رجل، بإغراق وجهه فى دلو به ماء.. يشرف على التعذيب متأنق يحمل حقيبة فاخرة، لا نعرف بدقة العلاقة بين الجلاد والضحية، وخلال عبارات متناثرة، ندرك انهما شريكان أو شقيقان، لان المتأنق يطلب من المعذب ان يمضى على «تنازلات»، لكن الضحية تموت.. هكذا، جثة ثالثة فى فيلم واحد.

«السطوح»، فيلم قاتم، حتى حين يتابع فرحا على سطح، لا تلتفت الكاميرا للعروس والعريس، بقدر ما ترصد تحركات مريبة لشباب خلية إرهابية، يقودها رجل ملتحٍ.

قبل عرض الفيلم، فى مهرجان أبوظبى السينمائى، انطلقت الزغاريد، على الطريقة الجزائرية، تستقبل مرزاق علواش.. وبعد انتهاء، العرض، أثناء المناقشة، كادت الصالة تتحول إلى مشروع مشاجرة. قطاع كبير من الجزائريين وجدوا فى الفيلم صورة مغرقة السواد، مزعجة، متجنية، لوطن يحاول أن يتعافى. رد علواش بأنه هكذا يرى الأمر. ولكن بعيدا عن الاحتقان، يمكن القول إن «السطوح»، يفتقر لأى نسمة أمل.. هذه هى المشكلة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات