انتخابات قِلَّة الحيا - محمد المخزنجي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتخابات قِلَّة الحيا

نشر فى : الإثنين 28 نوفمبر 2011 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 نوفمبر 2011 - 8:40 ص

والحيا هو الحياء بجواز تخفيف الهمزة، حيث الحياء من الحياة، لهذا يقال إن قلة الحياء أو قلة الحيا من موت القلب والروح. وفى الحديث الشريف يكون الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر، لأن الحياء من الإيمان، ولو شئنا التحديد لعدنا إلى أن لكل دين خلقا، وخُلق الإسلام هو الحياء. أو الحيا. فأين الحياء أو الحيا فى هذه الانتخابات التى أسست على عيب، وصيغت بعيب، وتنعقد فى ظروف مثقلة بأعيب العيب، بل الحرام؟

 

انتخابات ما هى إلا نقطة على منحنى انطلق من نقطة فاسدة ضللت أمة عن سواء السبيل فى بناء مصر جديدة بعد إزاحة طاغوت عصابة حكم الاستبداد والفساد الساقط، فبدلا من المسير على درب الصواب الذى اتبعته أمم توافقت مع ضمائرها وصدق تطلعات بنيها، وأقربها إلينا تونس، تواطأ من تواطأ وقايض من قايض لاختلاق متاهة عجيبة بتعديلات دستورية نسفت البداية الصحيحة لإنشاء دستور توافقى جديد، تُجرى على هديه انتخابات ديمقراطية صحيحة، يصعد منها برلمان سوى وقوى، ونختار بها رئيسا لا ينحدر بنا إلى مباذل الفرعنة.

 

 وها هى النتيجة: مزيد من الضياع والاتضاع.

انتخابات صيغت بلعبكة لا تعرف هل هى وليدة الغباء أو الدهاء، ووُضعت لها أُطر قانونية لم يحترمها أحد، سواء فى نطاق الدعاية التى لم تحترم شروطا من دين حق أو دنيا نقية، ومن ثم لن تكون النتيجة إلاَّ تنويعا على انتخابات الحكم الساقط، إلا قليلا، إن كان ثمة قليل، بعد منحة تمديد تصويت كل مرحلة إلى يومين، ستبيت فيهما الصناديق فى ليل يعلم الله خباياه، والأرجح أن تتكشف المنحة عن محنة!

 

أمَا ثالثة الأسافى، وعيب العيب فى هذه الانتخابات الرديئة، فتكمن فى توقيت انعقادها الذى يشى بموت أو موات الأرواح والقلوب، أى قلة الحيا وخواء الضمائر لدى كل المتكالبين على هذه الانتخابات والمتشبثين بها، وما أتعسها سلطة يقبض عليها من يقبض وهى تقطر بدم واحد وأربعين شابا شهيدا، حتى الآن، وتتعرق بمياه عيون عشرات الشباب الذين فقأ المجرمون الساديون عيونهم، وتغامض عن هذا الإجرام وتلك السادية من كانت عيونهم على الانتخابات أولا، والانتخابات أخيرا.

 

انتخابات بها كل هذا القدر من قلة الحيا، لا يمكن أن تكون واعدة بخير، على قاعدة أن الحياء لا يأتى إلا بالخير، وقلة الحياء عكسه. وإذا زعم الزاعمون أن إرجاء هذه الانتخابات سيجعل الأمور أسوأ، فإن البديهى بعد كل هذا الدم وكل هؤلاء الشهداء، وبعد أن تبينا الفارق الشاسع بين السواء والالتواء، بين هبوط السعار على القوة ورفعة التطلع إلى الحق، أن نختار الأصح الأصدق والأصوب، حتى لو اضطررنا للتوقف برهة. ولنعد إلى بدء صحيح يتمثل فى وفاق وطنى قوامه احترام حقوق المواطنة وحقوق الإنسان، وهما أمران لا يعرقل مسيرتهما إلا لئيم فى الدنيا ومريب فى الدين.

 

لقد توافقنا جميعا فى أيام الثورة الثمانية عشرة المجيدة على الثلاثية البديهية «حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية»، فمن يجافيها الآن لن يكون إلا معيب الروح خاوى الضمير؟! أما الصادقون الأمناء مع ربهم والناس والأرض التى جمعتنا إخوة ومواطنين، مدنيين وعسكريين، فالسواء بين والالتواء بين، ودرب الضياء واضح المعالم: توافق دستورى جامع، وانتخابات صادقة الوعد مع النزاهة، يحكمها قانون سوى وصارم يطبق على الجميع ومن يخرج عليه يكون خارجا على إرادة الأمة، ومن ثم ينبثق عن هذا الخير برلمان حقيقى ومؤسسة رئاسة سوية، فلا تنقسم الأمة على نفسها، ولا يمتد شرخ الانقسام إلى ما هو أبعد وأخطر.

 

قالوا إن لم تستح فافعل ما شئت، ومن المؤكد أنه سيظل هناك من لا يستحى ولن يستحى، لكن كما أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، كذلك قلة الحيا، فالجراح قليل الحياء الذى يسمح لنفسه بتقفيل جرح دون تنظيفه، يؤذى صاحب الجرح بمآلات التلوث المهمل فى الجرح، الذى يمكن أن يتحول إلى خراج داخلى يتحتم إعادة فتحه، أو ناسور يمد أذاه إلى أعضاء يدمرها الأذى، وهو مما يحتم جراحات كبرى فيما بعد، وعندما يحدث ذلك لن يكون إلا دامغا للجراح الأول قليل الحيا بانعدام الضمير.

 

ويا صحوة الضمائر حيّاكِ الحيا.    

محمد المخزنجي كاتب مصري كبير ، وطبيب أمراض نفسية ، ولد في المنصورة ، وعمل في مجلة العربي الكويتية ثم تفرغ ككاتب حر ، يُعتبر من أبرز كتاب القصة في العالم العربي ، وله إسهامات متفردة في الكتابة العلمية وأدب الرحلات والمقال الصحفي .