حرية فجور أم حرية إبداع؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الإثنين 13 مايو 2024 4:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرية فجور أم حرية إبداع؟

نشر فى : السبت 29 يناير 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الأحد 30 يناير 2022 - 2:54 ص

فى مقاله المنشور فى جريدة «الشروق» يوم الخميس الموافق ٢٧ يناير، نشر الدكتور عمرو هاشم ربيع مقالا بعنوان «حرية إبداع أم حرية فجور» وذلك تعقيبا على فيلم «أصحاب ولا أعز» المعروض على شبكة نيتفليكس، وقد اخترت أن أعكس العنوان لإبداء بعض الملاحظات حول مقال الدكتور عمرو، لأنه مقال مهم ويعبر عن وجهة نظر كثيرين فى المجتمع المصرى وربما بعض المجتمعات العربية، وقد عبر فيه الكاتب عن انحياز لإحدى وجهتى النظر حول الفيلم الذى سبب حالة من البلبلة على مواقع التواصل المصرية، ألا وهى وجهة النظر التى تقول أن غرض الفيلم المعلن «هو فضح أسرار الناس، وغرضه الحقيقى هو الترويج لكل ما هو مشين وقذر دون حتى إدانته»!

اتهم الكاتب الفيلم ضمنا بأنه من مخططات الغرب للبحث عن مروجين للأفكار المثلية داخل مجتمعاتنا «ممن يحملون أجندة حقوق الإنسان للتسويق لكل ذلك»! ثم ينهى الدكتور عمرو مقاله الهام باقتراح بعض سبل المواجهة لهذه الأعمال ومنها مناهج التعليم ودور المسجد والكنيسة فضلا عن دور الإعلام فى التوعية، منبها على ضرورة التفرقة بين حرية الإبداع وحرية الفجور حيث يجب مواجهة الأخيرة بكل قوة!

• • •

أبدأ من حيث أعتقد أنى أتفق فيه مع الكاتب، وهو أنه لم يطلب منع الفيلم أو منع المنصة الإلكترونية التى عرضته كما اقترح آخرون لأن المنع ــ بفرض إمكانيته ــ فى عصر التواصل الاجتماعى لا معنى له، فالممنوع ليس فقط مرغوبا، ولكنه متوافر أيضا ويقدم بالمجان على عشرات المنصات الأخرى وهو ما يعنى أن المنع ليس حلا بكل تأكيد!

لكن ليسمح لى القارئ والقارئة وكاتب المقال العزيز المحترم فى تقديم رؤية مختلفة لما قدمه الفيلم من محتوى فى السطور القليلة القادمة:

أولا: فيما يتعلق بقصة الفيلم، لم يتضح لى إن كان الكاتب قد شاهد الفيلم بنفسه أم لا، لكن فى حالات أخرى، وجدت العديد من الشخصيات العامة وبعض نواب البرلمان بل وبعض المؤسسات الدينية تدين العمل صراحة وحينما تم سؤالهم عما إذا كانوا قد شاهدوا الفيلم، فإن إجابتهم كانت بالنفى! والحقيقة لا أعلم كيف يمكن لأحد أن يدين عملا ويكيل له الاتهامات دون أن يكون قد شاهده حتى النهاية بنفسه! لا أتحدث هنا عن د/ عمرو لأنى وكما قلت لست واثقا أنه شاهد العمل أم لا، ولكنى أتحدث عن حملة شارك فيها كثيرون منهم علماء للدين والأزهر الشريف، متهمين الفيلم أنه يروج للخيانة الزوجية مثلا بينما الحقيقة ليست كذلك، فالفيلم لا يروج للخيانة الزوجية، ولكن يتعامل معها على أنها من الموبقات التى قد يخفيها الشركاء الذين يتظاهرون بالمثالية أمام المجتمع بينما واقعهم مختلف تماما عن هذا، وهذا ما فضحه الفيلم! أى أن العمل، قد فعل عكس ما يدعونه هؤلاء تماما لأنهم لم يكلفوا خاطرهم بمشاهدته واكتفوا بالتعليق على ما سمعوه، بل وتجريمه!

ثانيا: وما زلنا مع القصة، فتحدث المقال عن أن غرض الفيلم المعلن هو فضح أسرار الناس بينما الغرض الحقيقى الترويج لكل ما هو قذر! والحقيقة أيضا أن الفيلم لا يقوم أبدا على فكرة فضح الأسرار ولا على نشر القذارة، بل وعلى العكس فإنه يفضحها ويعرى أصحابها بعنف! فالشخصية الوحيدة فى قصة الفيلم التى رفضت اللعبة القائمة على فتح رسائل ومكالمات الهواتف على المشاع، أظهرها الفيلم فى النهاية أنها هى الأكثر صدقا بين الأصدقاء! بينما كل من زايد عليه واتهمه أنه لا يريد أن يقوم باللعب معهم لأن لديه أسرارا يخفيها عن زوجته، أظهرهم الفيلم كلهم بمظهر المنافقين الذين تظاهروا بعدم وجود أسرار بينما فى الحقيقة أسرارهم كلها تعبر عن ضعف بشرى أو عن خيانة متعمدة وظلم لشريك الحياة!

ومن هنا فالهدف الحقيقى للفيلم لا هو فضح الأسرار ولا هو الترويج للمثلية والتى كانت فى النهاية قصة واحدة من سبع قصص مختلفة للأبطال، ولكنه يتناول ثلاث نقاط شديدة التعقيد وأكثر عمقا من هذا وذاك، ألا وهى، كيف فى عصر التكنولوجيا حيث يمكن خداع الشريك بسهولة ويسر، أن نحتفظ باتساقنا ومبادئنا؟ لأى مدى يمكن أن نخفى أسرارا مضرة بالشركاء وفى نفس الوقت نتظاهر بالحب والمثالية؟ ثم أخيرا كيف يكون رد فعلنا حال اكتشاف أمر يخفيه الشريك (وفى قصة الفيلم أيضا تخفيه الابنة المراهقة عن أمها بينما تصارح أباها)، وهل يكون رد فعلنا هو القطيعة، الانفصال، التسامح، أم الاحتواء؟ الفيلم فى النهاية لم ينتصر لأى موقف، ولكنه وضع نهايتين: الأولى مواجهة الحقيقة المؤلمة ومحاولة الاحتواء والتسامح، والثانية التظاهر بأن كل شىء على ما يرام، لتمضى الحياة بأسرارها وخيانتها وآلامها دون أن نكتشف أو نصرح بها حتى تسير المركب!

كما هو واضح هذه معضلة فلسفية وأخلاقية عميقة وأكثر تعقيدا من الحديث عن المثلية أو الأسرار أو الخيانة، بل وعلى العكس من فيلم عمارة يعقوبيان مثلا فإن فيلم أصحاب ولا أعز لم يتناول الممارسة المثلية من قريب أو بعيد، اكتفى بالتعامل معها كسر من الأسرار التى يخفيها بعض البشر كغيرها من الأسرار كالخيانة أو العلاقات خارج إطار الزواج.. إلخ بينما فيلم عمارة يعقوبيان خصص مشاهد تضع تصورا لمشاهد بداية ونهاية الممارسة المثلية، فلا أعرف كيف يتم اعتبار هذا جائز وهذا ممنوع طالما أن المبدأ واحد ألا وهو رفض المثلية!

ثالثا وأخيرا: علينا أن نعيد النظر فى كيفية النظر إلى شبابنا وافتراض البلاهة والسذاجة فيهم واتهامهم بأنه بمجرد مشاهدة فيلم فإن عقولهم ستخرب ومبادئهم ستتغير! الأجيال الأصغر أكثر تسامحا مع المنتجات التكنولوجية سواء التى يتفقون معها أو التى يختلفون معها، لأنهم أولا أبناء عصر التكنولوجيا ويفهمون لغتها وأهدافها بشكل أكثر سلاسة مما نتخيل! ولأنهم ثانيا وبعد ثورة ٢٥ يناير زالت من عندهم أسباب الرهبة الثقافية من مشاهدة المختلف عنهم وأصبح لديهم القدرة على تجاوز الحدود والوصاية الأبوية التقليدية فى تحديد ما يجب أن يفعلوا وما لا يجب أن يفعلوه، على عكس الأجيال الأكبر مثلا، فهم أكثر ذكاء وأكثر قدرة على الانتقاء، بل والانتقاد مما نتخيل ونفترض! وما قد لا نعرفه أنهم يشاهدون كل هذه الأفكار عبر عشرات الأفلام الأجنبية المتاحة عبر كل المنصات مجانيا قبل ظهور شبكة نيتفليكس بأعوام كثيرة ولم تخرب عقولهم ولم يفقدوا صوابهم أبدا!

• • •

أتفق مع الدكتور عمرو هاشم فى ضرورة قيام المساجد والكنائس والإعلام ومناهج التعليم بالدفاع عن قيمنا فهذا حق أصيل فى كل المجتمعات فى إطار الحفاظ على قيمها الثقافية، لكن الأهم أن نطالب أيضا كل هذه المؤسسات أن تنقل رسالة للشباب مفادها أن يشاهد الشباب كل المنتجات الثقافية المختلفة قبل المتفقة معهم ومع ثقافتهم المحلية أولا قبل الحكم، لأن الحفاظ على القيم الثقافية اختيار وبعد التجربة واتخاذ القرار أكثر بقاء من الحفاظ عليها بالمنع والحرمان والوصاية! فشبابنا إن لم يشاهد هذا العمل سيشاهد غيره، سيسافر للخارج، ستنفتح أمامه فرص كثيرة للاحتكاك بالعالم الخارجى، فيجب أن يكون القرار قراره، لا قرار آخرين!

أتمنى من الجميع إعادة مشاهدة الفيلم بهدوء مرة أخرى لفهم المعانى التى أعتقد أنها أعمق وأعقد بكثير مما تم طرحه!

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.