الشوارب - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 3:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشوارب

نشر فى : الخميس 1 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 1 مارس 2012 - 8:00 ص

واقعيا، وعلى الشاشة، حظى الشارب بحضور قوى، فهو فى الكثير من الأحيان أقرب للعلامة المميزة، شارة، بصمة، لا تنم عن شخصية متفردة وحسب، بل تأتى كتعبير عن قطاع من الناس، وأحيانا، عن مرحلة تاريخية.. الشوارب، عادة، يأتى رسمها تقليدا للمشاهير، زعماء أو ملوك أو نجوم. الألمان، فى الفترة النازية، طبعوا شواربهم على طريقة أدولف هتلر: شعر كثيف فوق الشفة العليا، لا يتجازو عرض المنخرين، إنه حاد، محدد على نحو حاسم، وتجاوز شارب هتلر حدود ألمانيا ليستقر على وجوه المعجبين به، ووضعه يوسف شاهين فوق شفة المدرس القاسى، عبدالعزيز مخيون، فى «اسكندرية ليه» الذى تدور أحداثه إبان الحرب العالمية الثانية.. وفى الاتحاد السوفييتى، نسجت الشوارب على نمط ستالين: شعر ناعم، غزير، يمتد على طول الشفة العليا ويكاد يغطيها، مما يعطى إحساسا، ولو كاذبا، بالطيبة. وعلى طول سنوات حكم ستالين، التزم نجوم أفلام تلك الفترة، بالشارب الستالينى، وتخصص بعضهم فى تجسيد شخصيته، على الشاشة.. أما فى انجلترا، بلاد أفضل صناعة شفرات الحلاقة، فإن أبناءها، لم يكترثوا بالشوارب، أسوة بالرؤساء، تشرشل، هارولد ويلسون، إدوارد هيث، جيمس كاليهان، جون ميجور، تونى بلير، وطبعا، مارجريت تاتشر.. إنها أمة بلا شوارب.

 

أما فى مصر، فإن الملاحظ، ذلك التبدل الكبير فى وجه الملك فاروق.. فى بداية حكمه، لم يكن له شارب، اللهم إلا ذلك الزغب الخفيف، بلا معالم، تحت الأنف. وفيما بعد أخذ شاربه ينمو وينمو، وبدأ يبرمه من الحافتين إلى أعلى، تيمنا وتقليدا لشارب والده، الملك فؤاد. وفى قرار غير مسبوق، ولا ملحوق، أمر الملك فاروق بصرف علاوة قدرها نصف جنيه ــ أيام كان القرش صاغ صاغا بجد ــ لكل عسكرى يبرم فردتى شاربه.

 

كانت مرحلة فخر بالشوارب، وخلالها انتشرت الأغنية المدائحية التى كتبها بيرم التونسى ولحنها زكريا أحمد، عن «الزناتى خليفة» «أبا سعده، فارس مغوار، على شنابه، يقفوا صقرين، يا صلاة الزين»، وترددت، فيما بعد، بأصوات سيد مكاوى، حورية حسن، فهد بلان، شادية، بوشناق، الأمر الذى يثبت أن الفن أطول بقاء من الشوارب المفتولة.

 

ذهب فاروق، وجاء محمد نجيب، بشارب خفيف، بسيط، يترك مسافة تحت الأنف، ثم جمال عبدالناصر، بشارب متوازن، مهندم، يمتد فوق الشفة العليا، ويرتفع عند المنتصف ليصل إلى ما بين المنخارين، وأصبح هذا الشكل هو المعتمد للشوارب المصرية.. وكان من الصعب تقليد شارب أنور السادات، لأن شعره مفلفل، مشعث، مفلق الكتلات.. وأخيرا، أتى حسنى مبارك، بلا شارب.

 

على شاشة السينما المصرية، يبدو لى شارب محمد أبوسويلم، بأداء محمود المليجى، فى «الأرض» ليوسف شاهين، هو الأهم، فى أفلامنا جميعا، فلا أحد من الممكن أن ينسى صوت الموسى حين يجز، فى لقطة كبيرة، شارب الفلاح الثائر، إمعانا فى إهانته.. وها هو الرجل، مغرورق العينين، يعود إلى أرضه وقد غطى نصف وجهه، فيما يشبه الخجل.. إن للشوارب، تواريخ وحكايات ومعانى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات